| مع الصحابة | |
|
|
|
كاتب الموضوع | رسالة |
---|
جنة الله الشخصيات الهامة
عدد المساهمات : 1248 تاريخ التسجيل : 18/07/2009 العمر : 36
| موضوع: مع الصحابة الإثنين يوليو 26, 2010 12:07 am | |
|
أخواتى وإخوانى الكرام أقدم لكم اليوم هذا الموضوع بعنوان مع الصحابة نحاول من خلاله التعرف على سيرة الجيل الفريد وماذا نستفيد من هذا الجيل ؟ والمقصود بالجيل الفريد هم: صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم من الرجال والنساء العظام . والله تعالى لما جعل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم أفضل الأنبياء ، جعل حواريه أفضل الصحابة ، وأفضل الحواريين من بين صحابة الأنبياء جميعاً . فاختارهم عز وجل لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم، وحمل دينه وشرعه، والجهاد مع رسوله ، فنشروا الإسلام في الآفاق وبذلوا كل غالي و نفيـس من أجل إعلاء كلمـة الحـقوسنبدا الرحلة مع صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم بإلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنيسه ومستراحه وثقته وموضع سره ومشاورته وأول خليفة فى الاسلام وأحد العشرة المبشرين بالجنة هذا الصحابى الجليل هو سيدنا أبو بكر الصديق رضى الله عنهالحلقة الأولى من سيرة أبو بكر الصديق رضى الله عنه هو عبد الله بن أبي قحافة عثمان بن كعب التيمي القرشى ، أحد أوائل الصحابة الذين أسلموا من أهل قريش ورافقوا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم منذ بدء الإسلام ومن أقربهم له. وهو أول الخلفاء الراشدين وأحد العشرة المبشرين بالجنة عند أهل السنة والجماعة أمه سلمى بنت صخر بن عامر التيمي. ولد سنة 51ق.هـ (573م) بعد عام الفيل بحوالي ثلاث سنوات . كان سيداً من سادة قريش وغنياً من كبار أغنيائهم, وكان ممن رفضوا عبادة الأصنام في الجاهلية، بل كان حنيفاً على ملّة النبي إبراهيمعليه السلام . وهو والد السيدة عائشة زوجة الرسول وسانده بكل ما يملك في دعوته، وأسلم على يده الكثير من الصحابة. يعرف في التراث السني بأبي بكر الصّدّيق لأنه صدّق سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في قصّة الإسراء والمعراج، وقيل لأنه كان يصدّق النبي صلى الله عليه وسلم في كل خبر يأتيه ؛ وقد وردت التسمية في آيات قرآنية وأحاديث نبوية عند أهل السنة والجماعة . وكان يدعى بـ "العتيق" و"الأوّاه".. وعن تسميته بأبي بكر قيل لحبه للجمال، وقيل لتبكيره في كل شيء. بويع بالخلافة يوم الثلاثاء 2 ربيع الأول سنة 11هـ ، واستمرت خلافته قرابة سنتين وأربعة أشهر. توفي في يوم الإثنين 22 جمادى الأولى سنة 13هـ.
نسبه ومولده
* أبوه أبو قحافة عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. ويلتقي في نسبه مع سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عند مرة بن كعب، وينسب إلى "تيم قريش"، فيقال: "التيمي". * أمه أم الخير سلمى بنت صخر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. وهي بنت عم أبيه، وتُكنَّى أم الخير. ولدته بعد عام الفيل بسنتين وستة أشهر؛ وقيل إنها كان لا يعيش لها ولد ، فلما ولدته استقبلت به الكعبة، فقالت : «اللهم إن هذا عتيقك من الموت ، فهبه لي»؛ ويقال إن هذا سبب تسميته بالعتيق يروى أن اسمه كان قبل الإسلام عبد الكعبة؛ وحين أسلم سماه النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله. كانت أم الخير من أوائل النساء إسلاماً.
حياته قبل الإسلام
نشأ أبو بكر رضى الله عنه في مكة، ولما جاوز عمر الصبا عمل بائعاً للثياب ونجح في تجارته وحقق من الربح الكثير. وكانت تجارته تزداد اتساعاً فكان من أثرياء قريش؛ ومن ساداتها ورؤسائها. تزوج في بداية شبابه قتيلة بنت عبد العزى، ثم تزوج من أم رومان بنت عامر بن عويمر.
كان يعرف برجاحة العقل ورزانة التفكير، وأعرف قريش بالأنساب. وكانت له الديات في قبل الإسلام. وكان ممن حرّموا الخمر على أنفسهم في الجاهلية، وكان حنيفياً على ملّة النبي إبراهيم عليه السلام . كان أبو بكر رضى الله عنه يعيش في حي حيث يسكن التجّار؛ وكان يعيش فيه النبي صلى الله عليه وسلم ، ومن هنا بدأت صداقتهما حيث كانا متقاربين في السنّ والأفكار والكثير من الصّفات والطّباع .
ذرية وزوجات أبي بكر الصديق رضى الله عنه إسلامه
تختلف الروایات في سبقته بالإسلام وجاء الطبري في تاریخه بأقوال مختلفه بین أنه أوّل من أسلم من الذکور وبین أنه أسلم قبله أکثر من خمسین. ولكن يؤمن المسلمون السنة بروايات تقول أنه أول من أسلم من الذكور البالغين ، روی عن ابن اسحاق انه الوحيد الذي أسلم دون تردد وصدق دعوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم على الفور.
حياته بعد الإسلام
بعد أن أسلم أبو بكر رضى الله عنه ساند سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في دعوته للإسلام مستفيداً من مكانته بين أهل قريش وحبّهم له، فأسلم على يديه الكثير ، منهم خمسة من العشرة المبشرين بالجنة وهم : عثمان بن عفان ، والزبير بن العوّام ، وعبد الرحمن بن عوف ، وسعد بن وقاص ، وطلحة بن عبيد الله رضى الله عنهم جميعا . كذلك جاهد بماله في سبيل الدعوة للإسلام حيث قام بشراء وعتق الكثير ممن أسلم من العبيد المستضعفين منهم : بلال بن رباح ، وعامر بن فهيرة ، وزِنِّيرة ، والنَّهديَّة ، وابنتها، وجارية بني مؤمّل، وأم عُبيس رضوان الله عليهم . وقد قاسى أبو بكر رضى الله عنه من تعذيب واضطهاد قريش للمسلمين، فتعرض للضرب والتعذيب حين خطب في القريشيين ، وحين دافع عن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لما اعتدى عليه الوثنيون ، وقاسى العديد من مظاهر الاضطهاد . من مواقفه الهامة كذلك أنه صدَّق النبي صلى الله عليه وسلم في حادثة الإسراء والمعراج على الرغم من تكذيب قريش له ، وأعلن حينها دعمه الكامل للنبي صلى الله عليه وسلم وأنه سيصدقه في كل ما يقول، لهذا لُقب بالصِّديق . بقي أبو بكر رضى الله عنه في مكة ولم يهاجر إلى الحبشة حين سمح النبي صلى الله عليه وسلم لبعض أصحابه بهذا، وحين عزم النبى صلى الله عليه وسلم على الهجرة إلى المدينة المنورة ؛ صحبه أبو بكر رضى الله عنه في الهجرة النبوية .
هجرته
هاجر الكثير من المسلمين إلى المدينة المنورة ، وبقي النبي صلى الله عليه وسلم في مكة وبعض المسلمين منهم أبو بكر رضى الله عنه الذي ظل منتظراً قراره بالهجرة حتى يهاجر معه، وكان قد أعد العدة للهجرة، فجهز راحلتين لهذا الغرض واستأجر عبد الله بن أريقط من بني الديل بن بكر وكان مشركًا ليدلهما على الطريق، ولم يعلم بخروجهما غير علي رضى الله عنه وآل أبي بكر . وفي ليلة الهجرة خرج الرسول عليه الصلاة والسلام في الثلث الأخير من الليل وكان أبو بكر رضى الله عنه في انتظاره ورافقه في هجرته وبات معه في غار ثور ثلاثة أيام حتى هدأت قريش في البحث عنهما فتابعا المسير إلى المدينة المنورة ، ويروى أن خلال الأيام الثلاثة جاء كفار قريش يبحثون عنهم في غار ثور إلا أن الله عز وجل أمر عنكبوتا بنسج خيوطه على الغار وأمر حمامة بوضع بيضها أمامه مما جعلهم يشككون في وجودهما داخل الغار، ووفقاً للروايات قال أبو بكر رضى الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم :«لو أن أحدهم نظر إلى قدميه لأبصرنا» فطمأنه قائلاً : «يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟ لا تحزن إن الله معنا». وقد ذُكر هذا في القرآن . وحسب رواية ابن إسحاق فإن أبا بكر رضى الله عنه أمر ابنه عبد الله بن أبي بكر رضى الله عنه أن يتسمع لهما ما يقول الناس فيهما بالنهار ويأتي ويخبرهما في الليل، وأمر عامر بن فهيرة مولاه أن يرعى غنمه فيجعل آثار الشاة تغطي أقدامهما، وكانت أسماء بنت أبي بكر رضى الله عنها تأتيهما بالطعام إذا أمست بما يصلحهما. ويعد أهل السنة هجرة أبو بكر مع سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم إحدى مناقبه العظيمة.
حياته في المدينة
بعدما وصل الرسول صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رضى الله عنه للمدينة، قام النبي صلى الله عليه وسلم بالمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، اخى بين أبي بكر وعمر بن الخطاب رضى الله عنهما. عاش أبو بكر رضى الله عنه في المدينة طوال فترة حياة النبي صلى الله عليه وسلم وشهد معه الكثير من المشاهد، تقول الروايات أنه ممن حاولوا اقتحام حصن اليهود في غزوة خيبر، وأنه ممن ثبتوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في معركة حنين حين انفض عنه المسلمين خوفاً وتفرقوا، كذلك يقال أنه حامل الراية السوداء في غزوة تبوك حيث كان هناك رايتان إحداهما بيضاء وكانت مع الأنصار والأخرى سوداء وقد اختلفت الروايات على حاملها فقيل علي بن أبي طالب رضى الله عنه وقيل أبو بكر رضى الله عنه . تزوج من حبيبة بنت زيد بن خارجة فولدت له أم كلثوم، ثم تزوج من أسماء بنت عميس فولدت له محمدًا .
خلافته
روي عن ابنته السيدة عائشه بأن النبی صلى الله عليه وسلم في أثناء مرضه أمره أن يصلي بالمسلمين مما يعتبره السنة إشارة لتولية أبي بكر رضى الله عنه للخلافة ولکن يشكك الشيعة في هذة الرواية . وبعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم بويع أبو بكر رضى الله عنه بالخلافة في سقيفة بني ساعدة. وجهز في فترة حكمه حروب الردة؛ ضد أولئك الذين رفضوا دفع الزكاة، وأرسل جيشاً بقيادة أسامة بن زيد كان قد جهزه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم قبل وفاته لقتال الروم.
الفتوحات الإسلامية من عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وحتى نهاية الخلافة الأمويةعهده بالخلافة إلى عمر بن الخطاب رضى الله عنه
قبيل وفاة أبو بكر رضى الله عنه ، شاور طائفة من ذوي النظر والمشورة من الصحابة، فاتفقت كلمتهم على أن يعهد بالخلافة من بعده إلى عمر بن الخطاب رضى الله عنه ، وقد ذكر ذلك الطبري وابن الجوزي وابن كثير أن أبا بكر رضى الله عنه خشي على المسلمين أن يختلفوا من بعده ثم لا يجتمعوا على رأي، فدعاهم لما أثقل عليه المرض إلى أن يبحثوا لأنفسهم عن خليفة من بعده. إلا أن المسلمين لم يتفقوا فيما بينهم على من يخلف أبا بكر رضى الله عنه ، فوضعوا الأمر بين يدي أبي بكر رضى الله عنه ، وعندئذ أخذ يستشير أعيان الصحابة، كلاً منهم على انفراد، ولما رأى اتفاقهم على جدارة عمر وفضله، طلع على الناس وأخبرهم أنه قد استخلف عمر رضى الله عنه عليهم، فقالوا جميعاً: سمعنا وأطعنا ، وبعد أن رأى أبو بكر رضى الله عنه موافقة الناس جميعاً على استخلافة عمر عليهم، دعا عثمان بن عفان رضى الله عنه وأملى عليه الكتاب التالي: «بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما عهد به أبو بكر خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم عند آخر عهده بالدنيا وأول عهده بالآخرة، في الحال التي يؤمن فيها الكافر ويوقن فيها الفاجر؛ إني استعملت عليكم عمر بن الخطاب، فإن صبر وعدل فذلك علمي به ورأيي فيه، وإن جار وبدّل فلا علم لي بالغيب، والخيرَ أردتُ، ولكل امرئ ما اكتسب، وسيعلم الذين ظلموا أيّ منقلب ينقلبون.
وفاته
توفي أبو بكر رضى الله عنه ليلة الثلاثاء 7 جمادى الآخرة في سنة13هـ - الموافق 634 م في المدينة المنورة عن عمر يناهز 63 سنة، وكانت مدة خلافته سنتين وثلاثة أشهر وثلاثة أيام ، ودفن في بيت السيدة عائشة إلى جوار سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. وترك من الأولاد: عبد الله، عبد الرحمن، محمد، عائشة و أسماء وأم كلثوم .
شهادة علي بن أبي طالب في أبي بكر رضى الله عنه
قد ذكر ابن الجوزي بسنده في كتابه "التبصرة": «لما قبض أبو بكر الصديق رضي الله عنه وسجى عليه ارتجت المدينة بالبكاء كيوم قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: فجاء علي بن أبي طالب رضي الله عنه مستعجلاً مسرعاً مسترجعاً فقال: "رحمك الله يا أبا بكر كنت إلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنيسه ومستراحه وثقته وموضع سره ومشاورته وكنت أول القوم إسلاماً وأخلصهم إيماناً وأشدهم لله يقيناً وأخوفهم لله وأعظمهم غناء في دين الله عز وجل وأحوطهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأحد بهم على الإسلام وأحسنهم صحبة وأكثرهم مناقب وأفضلهم سوابق وأرفعهم درجة وأقربهم وسيلة وأشبههم برسول الله صلى الله عليه وسلم هدياً وسمتاً وأشرفهم منزلة وأرفعهم عنده وأكرمهم عليه فجزاك الله عن رسوله وعن الإسلام أفضل الجزاء... فإنا لله وإنا إليه راجعون رضينا عن الله عز وجل قضاءه وسلمنا له أمره والله لن يصاب المسلمون بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثلك أبداً كنت للدين عزا وحرزا وكهفا فألحقك الله عز وجل بنبيك محمد صلى الله عليه وسلم ولا حرمنا أجرك ولا أضلنا بعدك" فسكت الناس حتى قضى كلامه ثم بكوا حتى علت أصواتهم وقالوا: صدقت يا ختن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فى الحلقة القادمة بإذن الله سنتحدث عن ماذا نستفيد من أبى بكر الصديق رضى الله عنه فانتظرونا
دمتم فى حفظ الله يتبع
| |
|
| |
awful_chesser الشخصيات الهامة
عدد المساهمات : 811 تاريخ التسجيل : 11/01/2009 العمر : 40 العمل/الترفيه : مدرس لغة انجليزية المزاج : عنب
| موضوع: رد: مع الصحابة الإثنين يوليو 26, 2010 5:16 am | |
| الله الله ايه المفاجأة الجميله دي يامس جنة طبعا مش مجامله والله انما موضوع رائع وافكار رائعة كما عودتينا ..............ربنا يرزقنا واياكي الاخلاص في الاقوال والاعمال ويجعلك من سعداء الدنيا والاخرة | |
|
| |
جنة الله الشخصيات الهامة
عدد المساهمات : 1248 تاريخ التسجيل : 18/07/2009 العمر : 36
| موضوع: رد: مع الصحابة الإثنين يوليو 26, 2010 10:47 pm | |
| ربنا يكرمك يا مستر ويرزقنا واياك الاخلاص فى الاقوال والاعمال ويجعلنا واياك من سعداء الدنيا والآخرة وان شاء الله عن قريب سأقدم الحلقة الثانية من سيرة سيدنا أبو بكر الصديق رضى الله عنه شكرا لمرورك الكريم وردك الأكرم تقبل تحياتى | |
|
| |
جنة الله الشخصيات الهامة
عدد المساهمات : 1248 تاريخ التسجيل : 18/07/2009 العمر : 36
| موضوع: رد: مع الصحابة الثلاثاء يوليو 27, 2010 11:46 pm | |
| الحلقة الثانية من سيرة سيدنا أبو بكر الصديق رضى الله عنه أبو بكر الصديق رضي الله عنه شخصية عجيبة جمعت بين طياتها الرقة والشدة، والرحمة والقوة، والأناة والسرعة، والتواضع والعظمة، والبساطة والفطنة. شخصية عجيبة، جمعت كل ذلك، وأضعافه من فضائل الأخلاق والطباع، وهبه الله حلاوة المنطق، وطلاقة اللسان، وقوة الحجة، وسداد الرأي، ونفاذ البصيرة، وسعة الأفق، وبعد النظرة، وصلابة العزيمة، كل هذا وغيره، وليس بنبي، إن هذا لشيء عجيب. فشخصية أبي بكر الصديق رضي الله عنه شخصية عجيبة ما تكررت في التاريخ.
انظر تقييم علي بن أبي طالب لهذه الشخصية، أخرج البخاري عن محمد بن علي بن أبي طالب قال:
قلت لأبي: أَيُّ النَّاسِ خَيْرٌ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟
قال: أَبُو بَكْر.
قلت: ثُمَّ مَنْ؟
قال: عُمَرُ.
وَخَشِيتُ أَنْ يَقُولَ عُثْمَانُ، فَقُلْتُ: ثُمَّ أَنْتَ؟
قال:مَا أَنَا إِلَّا رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ.
وهذا تواضع من علي بن أبي طالب رضى الله عنه .
تُرى كيف كانت شخصية هذا الرجل الذي هو خير الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في جزء من حديث رواه البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: إِنَّ مِنْ أَمَنِّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي صُحْبَتِهِ وَمَالِهِ أَبَا بَكْرٍ، وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا غَيْرَ رَبِّي لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ، وَلَكِنْ أُخُوَّةَ الْإِسْلَامِ وَمَوَدَّتَهُ. فهذه مقامات عالية جدا، فأبو بكر الصديق كما في الحديث من أَمَنّ الناس على رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أي أكثرهم مِنّة وفضلًا.
وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخذ الله خليلا ولولا ذلك لاتخذ أبا بكر؛ أي أنه لو اصطفى من البشر خليلا لكان أبو بكر رضي الله عنه، ولكن أخوة الإسلام.
فكيف يكون هذا الرجل الذي ظفر بتلك المنزلة الراقية؟وكيف وصل إليها؟
- بتحليل شخصية أبي بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه ، وجدنا أنه يتميز عن غيره في جوانب كثيرة منها :
أولا : حبه الصادق لرسول الله صلى الله عليه وسلم :
أحبه حبًا خالصًا خالط لحمه ودماءه وعظامه وروحه حتى أصبح جزءًا لا يتجزأ من تكوينه، والصحابة جميعا أحبوا رسول الله صلى الله عليه وسلم حبا عظيما فريدًا، ولكن ليس كحب أبي بكر الصديق رضي الله عنه. هذا الحب الذي فاق حب المال والولد والأهل والبلد، بل فاق حب الدنيا جميعها. وحب رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكملات الإيمان، فقد روى البخاري ومسلم رحمهما الله عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ. وأبو بكر الصديق رضي الله عنه أشد الناس إيمانا، فهو إذن أشد الناس حبا للرسول صلى الله عليه وسلم ، ففى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسند الإمام أحمد عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ غَدَاةٍ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ، فَقَالَ: رَأَيْتُ قُبَيْلَ الْفَجْرِ كَأَنِّي أُعْطِيتُ الْمَقَالِيدَ وَالْمَوَازِينَ، فَأَمَّا الْمَقَالِيدُ فَهَذِهِ الْمَفَاتِيحُ، وَأَمَّا الْمَوَازِينُ فَهِيَ الَّتِي تَزِنُونَ بِهَا، فَوُضِعْتُ فِي كِفَّةٍ وَوُضِعَتْ أُمَّتِي فِي كِفَّةٍ، فَوُزِنْتُ بِهِمْ، فَرَجَحْتُ، ثُمَّ جِيءَ بِأَبِي بَكْرٍ، فَوُزِنَ بِهِمْ فَوَزَنَ. هذا الحب المتناهي، له دليل من كل موقف من مواقف السيرة تقريبا، ولو تتبعت رحلة الصديق رضي الله عنه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم لرأيت حبا قلما تكرر في التاريخ.
وتعالوا نقلب الصفحات في حادث واحد فقط هو حادث الهجرة إلى المدينة المنورة:
- لما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيت أبي بكر في ساعة لم يكن يأتيهم فيها، أول ما قاله أبو بكر قال: فداء له أبي وأمي، والله ما جاء به في هذه الساعة إلا أمر. - ولما أخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بأمر الهجرة قال أبو بكر الصديق بلهفة: الصُّحْبَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الصُّحْبَةُ.
فماذا كان رد فعل أبي بكر لما علم أنه سيصاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
أترك لكم السيدة عائشة تصور هذا الحدث:
قالت: فوالله ما شعرت قط قبل ذلك اليوم أن أحدا يبكي من الفرح، حتى رأيت أبا بكر يبكي يومئذ. يا الله، يبكي من الفرح للصحبة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، مع أن هذه الصحبة الخطيرة سيكون فيها ضياع النفس، فمكة كلها تطارده صلى الله عليه وسلم، ويكون فيها ضياع المال، ويكون فيها ضياع الأهل، ويكون فيها ترك البلد، لكن ما دامت في صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا أمر يبكي من الفرح لأجله.
- لقطة أخرى من لقطات الهجرة:
عند الوصول إلى غار ثور وهي لقطة (بدون تعليق) :
ولما انتهيا إلى الغار قال أبو بكر: والله لا تدخله حتى أدخله قبلك، فإن كان فيه شر أصابني دونك. فدخل فكسحه، ووجد في جانبه ثقبا، فشق إزاره وسدها به، وبقى منها اثنان فألقمهما رجليه، ثم قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ادخل. فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووضع رأسه في حجره ونام، فلُدغ أبو بكر في رجله من الجُحر، ولم يتحرك مخافة أن ينتبه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسقطت دمعة على وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: مَا لَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ؟ قال: لدغت فداك أبي وأمي. فتفل رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهب ما يجده.
- لقطة أخرى من لقطات الهجرة: لقطة يحكيها أبو بكر الصديق كما أوردها البخاري في صحيحه، يقول:
ارتحلنا من مكة فأحيينا، أو سرينا ليلتنا ويومنا حتى أظهرنا، وقامت قائم الظهيرة، فرميت ببصري هل أرى من ظل فآوي إليه؟ فإذا صخرة أتيتها، فنظرت بقية ظل، فسويته بيدي، ثم فرشت للنبي صلى الله عليه وسلم فيه، ثم قلت له: اضطجع يا نبي الله. فاضطجع النبي صلى الله عليه وسلم، ثم انطلقت أنظر ما حولي هل أرى من الطلب أحدا؟ فإذا أنا براعي غنم يسوق غنمه إلى الصخرة، يريد منها الذي أردنا فسألته:
لمن أنت يا غلام؟ قال : لرجل من قريش سماه فعرفته، فقلت هل في غنمك من لبن قال: نعم. قلت: فهل أنت حالب لبنا؟ قال: نعم.
فأمرته فاعتقل شاه من غنمه، ثم أمرته أن ينفض ضرعها من الغبار، ثم أمرته أن ينفض كفيه، فقال هكذا ضرب إحدى كفيه بالأخرى فحلب له كثبة من لبن، ومعي دواة حملتها للنبي صلى الله عليه وسلم يرتوي منها يشرب ويتوضأ. فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم، فكرهت أن أوقظه، فوافقته حين استيقظ فصببت الماء على اللبن حتى برد أسفله فقلت: اشرب يا رسول الله. فشرب حتى رضيت، ثم قال: أَلَمْ يِأْنِ الرَّحِيلُ؟ قلت: بلى. فارتحلنا، والقوم يطلبوننا، فلم يدركنا أحد منهم غير سراقة بن مالك بن جعشة على فرس، فقلت: هذا الطلب قد لحقنا يا رسول الله. فقال: لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا.
- لقطة أخيرة من لقطات الهجرة وليست الأخيرة من لقطات أبي بكر الصديق رضي الله عنه
أخرج الحاكم في مستدركه عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الغار، ومعه أبو بكر، فجعل يمشي ساعة بين يديه، وساعة خلفه، حتى فطن له رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأله، فقال له: أذكر الطلب فأمشي خلفك، ثم أذكر الرصد فأمشي بين يديك. فقال: يَا أَبَا بَكْرٍ لَوْ شَيْءٌ أَحْبَبْتَ أَنْ يَكُونَ بِكَ دُونِي؟ قال: نعم، والذي بعثك بالحق.
هل كان هذا الحب من طرف واحد؟
كلا والله، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه: الْأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ، فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ، وَمَا تَنَاكَرَ مِِنْهَا اخْتَلَفَ.
فلأن أبو بكر الصديق أحب رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الحب الذي فاق كل حب، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد رفع مكانته في قلبه فوق مكانة غيره. روى الشيخان عن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه على جيش ذات السلاسل، يقول: فأتيته فقلت: أي الناس أحب إليك؟ قال: عَائِشَةُ. قلت: من الرجال؟ قال: أَبُوهَا. قلت: ثم من؟ قال: عُمَرُ. فعد رجالا.
سؤال:هل كان يُرْغِمُ أبو بكر الصديق رضي الله عنه نفسه على هذا الحب؟ هل كان يشعر بألم في صدره عندما يقدم حب رسول الله صلى الله عليه وسلم على حب ماله أو ولده أو عشيرته أو تجارته أو بلده؟
أبدا والله، لقد انتقل الصديق من مرحلة مجاهدة النفس لفعل الخيرات إلى مرحلة التمتع، والتلذذ بفعل الخيرات، انتقل إلى مرحلة حلاوة الإيمان يذوقها في قلبه وعقله وكل كيانه.
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الشيخان عن أنس رضي الله عنه: ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ: أَنْ يَكُونَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ، وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِي الْكُفْرِ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِي النَّارِ.
هذا الحب الفريد لرسول الله صلى الله عليه وسلم قاد إلى أمرين عظيمين يفسران كثيرا من أعمال الصديق رضي الله عنه الخالدة في التاريخ:
الصديق وبعث أسامة
- انظر مثلًا إلى موقفه في إنفاذ بعث أسامة بن زيد رضي الله عنهما، والحقيقة أننا نسمع عن إنفاذ جيش أسامة، فلا نعطيه قدره، ونتخيل أنه مجرد جيش خرج، ولم يلق قتالًا يذكر فأي عظمة في إخراجه؟! بيد أن دراسة ملابسات إخراجه، وتأملها تدل على عظمة شخصية الصديق، وكيف أنه بهذا العمل وهو أول أول أعمال خلافته، قد وضع سياسة حكمه التي تعتمد في المقام الأول على اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم دون تردد، ولا شك، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أعد هذا البعث لإرساله لحرب الروم في شمال الجزيرة العربية، وقد أمّر عليه أسامة بن زيد، ولم يبلغ الثامنة عشر من عمره، ثم توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وارتدت جزيرة العرب كلها إلا ثلاث مدن هي مكة والمدينة والطائف وقرية صغيرة، وهي جواثا في منطقة هجر بالبحرين.
الجزيرة العربية كلها تموج بالردة ومع هذا أصر أبو بكر الصديق أن ينفذ بعث أسامة بن زيد إلى الروم مع اعتراض كل الصحابة على ذلك الأمر؛ لأنه ليست لهم طاقة بحرب المرتدين فكيف يرسل جيشًا كاملًا إلى الروم ويترك المرتدين، والحق أنه قرار عجيب، البلاد في حرب أهلية طاحنة، وبها أكثر من عشر ثورات ضخمة، ثم يرسل زعيم البلاد جيشًا لحرب دولة مجاورة، كان قد أعده الزعيم السابق، لكن أبو بكر كانت الأمور في ذهنه في منتهى الوضوح ما دام رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر فلا مجال للمخالفة، حتى وإن لم تفهم مقصود رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى وإن لم تطلع على الحكمة والغاية، وهذه درجة عالية من الإيمان، كما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد علم بردة مسيلمة في اليمامة، والأسود العنسي في اليمن، ومع ذلك قرر تجهيز الجيش، وإرساله إلى الشام، وما دام رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر، فالخير كل الخير فيما أمر، فأصر على إنفاذ البعث إلى الروم.
جاءه الصحابة يجادلونه ويحاورونه، وهم على قدرهم الجليل لم يفهموا فهم الصديق رضي الله عنه، فماذا قال لهم؟ قال: والله لا أحل عقدة عقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو أن الطير تخطفنا، والسباع من حول المدينة، ولو أن الكلاب جرت بأرجل أمهات المؤمنين لأجهزن جيش أسامة. وبالفعل أنفذ جيش أسامة بن زيد رضي الله عنهما، وكان الخير في إنفاذه، إذ أرعبوا قبائل الشمال، وسكنت الروم، وظنوا أن المدينة في غاية القوة، وإلا لما خرج من عندهم هذا الجيش الضخم، وحفظ الله المدينة بذلك، ورأى الصحابة بعد ذلك بأعينهم صدق ظن الصديق رضي الله عنه، لكن الصديق كان يرى الحدث قبل وقوعه؛ لأنه يرى بعين رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولما رأى الصحابة إصرار أبي بكر الصديق قال بعضهم لعمر بن الخطاب: قل له فليؤمر علينا غير أسامة.
فانتفض أبو بكر وأخذ بلحية عمر بن الخطاب وقال: ثكلتك أمك يا ابن الخطاب، أؤمر غير أمير رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وقد كانت لحظات الغضب في حياته رضي الله عنه قليلة جدًا، وكانت في غالبها إذا انتهكت حرمة من حرمات الله عز وجل، أو عطل أمر من أوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم.
- خطابه إلى عمرو بن العاص رضي الله عنه:
فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ولى عمرو بن العاص مرة على عمان، ووعده أخرى بالولاية عليها، فلما استتب الأمر لأبي بكر الصديق بعد حروب الردة ولى عليها عمرو بن العاص تنفيذًا لوعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، مع أن هذه أمور يجوز للوالي الجديد أن يراها أو يرى غيرها حسبما رأى المصلحة، هذا أمر ليس شرعيًا حتميًا، ولكنه لا يريد أن يخالف ولو قدر أنملة، وهذا هو الذي وصل به إلى درجته، وهذا الذي رفع قدره، وهذا الذي سلم خطواته، وهذا الذي سدد رأيه.
ثم إنه قد احتاجه لإمارة جيش من جيوش الشام، وعمرو بن العاص طاقة حربية هامة جدًا، لكن أبو بكر الصديق تحرج من استقدامه في مكان وضعه فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم مخافة أن يكره ذلك عمرو بن العاص فأرسل له رسالة لطيفة يقول فيها: إني كنت قد رددتك على العمل الذي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وَلَّاكه مرة، وسماه لك أخرى؛ مبعثك إلى عمان إنجازا لمواعيد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد وليته ثم وليته، وقد أحببت أبا عبد الله أن أفرغك لما هو خير لك في حياتك ومعادك منه، إلا أن يكون الذي أنت فيه أحب إليك.
- هيبته في جمع القرآن :
فإنه لما استشهد عدد كبير من حفظة القرآن في موقعة اليمامة، وخشي الصحابة على ضياع القرآن ذهبوا إلى أبي بكر يعرضون عليه فكرة جمع القرآن، فكان متحرجًا أشد التحرج من هذا العمل الجليل، قال:
كيف أفعل شيئا لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينه عن جمعه، ولكن كان من عادة الصديق رضي الله عنه أن ينظر إلى فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الإقدام على أي عمل، فما وجده اتبعه، فلما نظر ولم يجد رسول الله قد جمع القرآن تهيب الموقف، واحتار، ولكنه لما اجتمع عليه الصحابة، وأقنعوه وخاصة عمر، استصوب جمعه لما فيه من خير.
وهكذا في كل مواقفه رضي الله عنه ستجد حبًا عميقًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، دفعه إلى اليقين بصدق ما قال، ودفعه أيضًا إلى الإقتداء به في كل الأفعال والأقوال، ومع ذلك فإن هذا الحب العميق لم يدفعه إلى الظلم أبدًا. وأكتفي كدليل على ذلك بحادثة واحدة في حياة الصديق رضي الله عنه فقد خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنة أبي بكر عائشة حين ذكرتها خوله بنت حكيم، وكان المطعم بن عدي قد خطبها قبل ذلك لابنه
فقال أبو بكر لزوجه أم رومان: إن المطعم بن عدي قد كان ذكرها على ابنه، والله ما أخلف أبو بكر وعدًا قط. ثم أتى مطعمًا وعنده امرأته فسأله: ما تقول في أمر هذه الجارية؟ فأقبل الرجل على امرأته ليسألها ما تقولين؟ فأقبلت هي على أبي بكر تقول: لعلنا إن أعطينا هذا الصبي إليك تصبئه وتدخله في دينك الذي أنت عليه. فلم يجيبها أبو بكر، فسأل المطعم بن عدي: ما تقول أنت؟ فكان جوابه: إنها تقول ما تسمع. فتحلل أبو بكر عند ذلك من وعده، وقَبِلَ خطبة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن كان علقها على موافقة المطعم بن عدي مع رغبة نفسه الأكيدة في مصاهرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، طراز نادر من الرجال رضي الله عنه.
فى الحلقة القادمة بإذن الله سنتحدث عن الجوانب الاخرى التى ميزت أبى بكر الصديق رضى الله عنه فانتظرونا
دمتم فى حفظ الله يتبع | |
|
| |
miss.fadia الشخصيات الهامة
عدد المساهمات : 733 تاريخ التسجيل : 20/06/2009 العمر : 36 المزاج : تمام والحمد لله
| موضوع: رد: مع الصحابة الخميس يوليو 29, 2010 12:04 am | |
| موسوعه انتي يا جنه ماشاء الله عرض هايل وممتاز ربنا يباركلك يارب
| |
|
| |
جنة الله الشخصيات الهامة
عدد المساهمات : 1248 تاريخ التسجيل : 18/07/2009 العمر : 36
| |
| |
جنة الله الشخصيات الهامة
عدد المساهمات : 1248 تاريخ التسجيل : 18/07/2009 العمر : 36
| موضوع: رد: مع الصحابة السبت يوليو 31, 2010 9:44 am | |
| الحلقة الثالثة من سيرة سيدنا أبو بكر الصديق رضى الله عنه
بعض النفوس تكون في طبيعتها غليظة جافة، والبعض الآخر يكون في قلبه رحمة فطرية غير مصطنعة غير متكلفة، وكان أبو بكر رضي الله عنه من هذا النوع الأخير.
لقد سمع أبو بكر وصايا حبيبه محمد صلى الله عليه وسلم، فحفظها، وعقلها وعمل بها:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَنَاجَشُوا، وَلَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَدَابَرُوا، وَلَا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ، وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا، الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ وَلَا يَخْذُلُهُ وَلَا يَحْقِرُهُ، التَّقْوَى هَاهُنَا- وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ- بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنْ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ، دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ.
سنتحدث اليوم أخواتى وإخوانى الكرام عن أحد الجوانب التى تميز بها سيدنا أبو بكر الصديق رضى الله عنه .
ثانيا : رقة القلب :
كانت رقة قلبه رضي الله عنه تنعكس على حياته الشخصية، وتنعكس على علاقاته مع الناس. وتستطيع بعد أن تدرك هذه الحقيقة، حقيقة أنه جُبِل على الرحمة والرقة والهدوء أن تفهم كثيرًا من أفعاله الخالدة رضي الله عنه.
- عن عائشة رضي الله عنها كما روى البخاري ومسلم، قالت: لم أعقل أبويَّ قط إلا وهما يدينان الدين، ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم طرفي النهار، بكرةٍ وعشية، فلما ابتلي المسلمون (تقصد في فترة إيذاء المشركين للمسلمين في مكة) خرج أبو بكر مجاهدًا إلى أرض الحبشة، حتى إذا بلغ برك الغماد لقيه بن الدغنة، وهو سيد القارة فقال: أين تريد يا أبا بكر؟ فقال أبو بكر: أخرجني قومي، فأريد أن أسيح في الأرض وأعبد ربي.
سبحان الله، سيترك التجارة، والمال، والوضع الاجتماعي المرموق، والبيت، والأهل، والبلد، والكعبة، بل أعظم من ذلك عنده سيترك رسول الله صلى الله عليه وسلم، هناك بعض الناس يحبون أن يعبدوا الله بالطريقة التي يرونها هم صحيحة، لكن أبو بكر كان يعبد الله بالطريقة التي يريدها رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان من الممكن أن يبقى أبو بكر في مكة، ويعبد الله في سرية، ويتاجر، ويحقق المال الذي يفيد الدعوة، لكن رسول الله أراد له الهجرة؛ لأنه ليست له حماية في مكة؛ لأن قبيلته ضعيفة، وهي قبيلة بني تيم، فترك كل شيء وهاجر، وإلى أرض بعيد مجهولة غير عربية، إلى الحبشة، لكن الله أراد غير ذلك وأراد له البقاء في مكة فسخر له ابن الدغنة. قال ابن الدغنة: فإن مثلك يا أبا بكر لا يخرج ولا يخرج مثله، إنك تكسب المعدوم، وتصل الرحم، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق.
ونلاحظ أنها نفس الصفات التي ذكرتها السيدة خديجة في وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم. فأنا لك جار ارجع، واعبد ربك ببلدك. فرجع وارتحل معه ابن الدغنة، فطاف ابن الدغنة عشيةً في أشراف قريش فقال لهم: أتخرجون رجلًا يكسب المعدوم، ويصل الرحم، ويحمل الكل، ويقري الضيف ويعين على نوائب الحق؟
فلم تكذب قريش بجوار ابن الدغنة وقالوا لابن الدغنة: مر أبا بكر فليعبد ربه في داره، فليصل فيها، وليقرأ ما شاء، ولا يؤذينا بذلك، ولا يستعلن به، فإنا نخشى أن يفتن نساءنا وأبنائنا. لأن قلوب النساء، والأبناء قلوب رقيقة، وأبو بكر رجل رقيق، يخرج كلامه من القلب، فيصل إلى القلوب الرقيقة المفتقرة للمعرفة، لكنهم لا يخشون على الرجال فقلوبهم كانت قاسية، عرفت الحق، واتبعت غيره.
فقال ذلك ابن الدغنة لأبي بكر، فلبث أبو بكر بذلك يعبد ربه في داره ولا يستعلن بصلاته ولا يقرأ في غير داره (يعني لا يقرأ في الكعبة ولا في مجالس التقاء الناس ولا في السوق) ثم بدا لأبي بكر فابتنى مسجدا بفناء داره وكان يصلي فيه ويقرأ القرآن، فيتقذف عليه نساء المشركين، وأبناؤهم وهم يعجبون منه وينظرون إليه.
لا يريد أن يكتم أمر الدعوة، تتحرق نفسه شوقًا لإسماع غيره كلام الله عز وجل، وتشفق روحه على أولئك الذين سيذهبون إلى النار إذا ماتوا على كفرهم تمامًا كرسول الله صلى الله عليه وسلم الذي خاطبه ربه بقوله: [لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ] {الشعراء:3}
هكذا كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه .
يبكي عند قراءة القرآن
كان أبو بكر رجلًا بكاءً لا يملك عينيه إذا قرأ القرآن . وأفزع ذلك أشراف قريش من المشركين، فأرسلوا إلى ابن الدغنة فقدم عليهم فقالوا: إنا كنا أجرنا أبا بكر بجوارك على أن يعبد ربه في داره، فقد جاوز ذلك، فابتنى مسجدا في فناء داره، فأعلن بالصلاة والقراءة فيه، وإنا قد خشينا أن يفتن نساءنا وأبنائنا فانهه.
وهذا أمر طبيعي جدًا، فإذا وصلت كلمات الله وكلمات الرسول خالصة نقية إلى أسماع الناس وجردوا قلوبهم من المصالح، فمن الطبيعي جدًا أن يؤمنوا بها: [فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ] {الرُّوم:30} . وطبيعي جدًا أن يقاتل الكافرون دون ذلك، وهم يعلمون صوابها: [وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا] {النمل:14} . قالوا: فإن أحب أن يقتصر على أن يعبد ربه في داره فعل، وإن أبى إلا أن يعلن بذلك فسله أن يرد إليك ذمتك، فإنا قد كرهنا أن نخفرك، ولسنا مقرين لأبي بكر الاستعلان.
هنا وُضع ابن الدغنة في موقف حرج فهو لا يريد أن يخسر كل أهل قريش، كما أنه ليس من أهل مكة الأصليين ويبدو أن الكفر الشديد والعناد الكبير سيجعل مكة تغير من قوانينها وأصولها فتكسر قواعد الحماية وتعطل قانون الإجارة، قالت عائشة: فأتى ابن الدغنة إلى أبي بكر رضي الله عنه فقال: قد علمت الذي عاقدت لك عليه، فإما أن تقتصر على ذلك، وإما أن ترجع إلي ذمتي، فإني لا أحب أن تسمع العرب أني أخفرت في رجلٍ عقدت له. هنا لا يتردد أبو بكر الصديق رضي الله عنه، فالدعوة في مقدمة حياته على كل شيء حتى على حياته وروحه. فقال أبو بكر: فإني أرد إليك جوارك، وأرضى بجوار الله عز وجل.
كانت هذه طبيعة أبي بكر، وكلنا يعلم أنه لما أشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه، وذلك في مرض الموت، قيل في الصلاة فقال صلى الله عليه وسلم: مُرُوا أَبَا بَكْرٍ، فَلْيُصَلِّ بِالنَّاسِ. فقالت عائشة رضي الله عنها: إن أبا بكر رجلٌ رقيقٌ، إذا قرأ القرآن غلبه البكاء. فقال صلى الله عليه وسلم: مُرُوهُ فَلْيُصَلِّ. وفعلًا صلى بالناس، وفعلًا بكى كعادته في قراءة القرآن تمامًا كما وصفته ابنته الفاضلة السيدة عائشة رضي الله عنها: رجلٌ رقيقٌ.
موقفه مع ربيعة الأسلمي رضي الله عنهما
هذه النفس الرقيقة، والقلب الخاشع، والروح الطاهرة النقية، والطبيعة الهينة اللينة تفسر لنا كثيرًا من مواقف أبى بكر العجيبة: - أخرج أحمد بسند حسن عن ربيعة الأسلمي رضي الله عنه قال: جرى بيني وبين أبي بكر كلام، فقال لي كلمة كرهتها وندم. ولنتأمل أن هذا الكلام يدور في المدينة، وأبو بكر هو المستشار الأول لرسول الله صلى الله عليه وسلم، بمعنى أنه نائب الرئيس مباشرة، وربيعة الأسلمي هو خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال أبو بكر كلمة كرهها ربيعة، ويبدو أن الخطأ كان في جانب أبي بكر، وأدرك ذلك، ويحدث أن يخطئ البشر مع علو قدرهم، وسمو أخلاقهم، لكنه ثاب إلى رشده بسرعة عجيبة، وشعر بالندم كما قال ربيعة وهو يصف الموقف، لكن هل وقف الندم عند حد الشعور به والتألم الداخلي فقط؟ أبدًا، رقة نفسه خرجت بهذا الندم إلى خير العمل وأسرع، وهو نائب الرئيس يقول لربيعة الخادم، فقال لي: يا ربيعة رد علي مثلها حتى يكون قصاصًا. قلت:لا أفعل. أدب ربيعة تربية رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال أبو بكر: لتقولن أو لأستعدين عليك رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقلت: ما أنا بفاعل. فانطلق أبو بكر رضي الله عنه رضي الله عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وانطلقت أتلوه، وجاء أناس من أسلم فقالوا لي :رحم الله أبا بكر، في أي شيء يستعدي عليك رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الذي قال لك ما قال. فقلت : أتدرون من هذا ؟ هذا أبو بكر الصديق، هذا ثاني اثنين، وهذا ذو شيبة في الإسلام، إياكم لا يلتفت فيراكم تنصروني عليه، فيغضب ، فيأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيغضب لغضبه، فيغضب الله عز وجل لغضبهما، فيهلك ربيعة . والله إنه لمجتمع عجيب ، وأعجب منه الإسلام الذي غير في نفسيات القوم في سنوات معدودات حتى أصبحوا كالملائكة . قالوا : ما تأمرنا ؟ قال : ارجعوا . وانطلق أبو بكر الصديق رضي الله عنه وتبعته وحدي حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فحدثه الحديث كما كان ، فرفع إلي رأسه فقال صلى الله عليه وسلم : يَا رَبِيعَةُ مَا لَكَ وَالصِّدِّيقُ ؟ فقلت : يا رسول الله كذا وكذا ، فقال لي كلمة كرهتها فقال لي : قل كما قلت حتى يكون قصاصًا . فأبيت . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أَجَلْ ، لَا تَرُدَّ عَلَيْهِ ، وَلَكِنْ قُلْ : قَدْ غَفَرَ اللَّهُ لَكَ يَا أَبَا بَكْر ٍ. فقلت : غفر الله يا أبا بكر . قال الحسن : فولى أبو بكر رضي الله عنه وهو يبكي . - وكان من رقيه وحنانه يشفق على المستضعفين في مكة ، يقول عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما: كان أبو بكر يعتق على الإسلام في مكة . بمعنى أنه إذا أسلم الرجل ، أو المرأة اشتراه من صاحبه واعتقه . فكان يعتق عجائز ونساء إذا أسلمن ، فقال أبوه : أي بني أراك تعتق أناسًا ضعافًا ، فلو أنك تعتق رجالًا جلدًا يقومون معك ويمنعونك ويدفعون عنك ؟ وقد كان في حاجة إلى ذلك ؛ لأن قبيلته قبيلة تيم كانت ضعيفة وصغيرة . قال : أي أبت أنا أريد ما عند الله .
فنزلت فيه : [فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى(5)وَصَدَّقَ بِالحُسْنَى(6)فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى] {الليل:5: 7} .
ونزلت فيه : [وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى(17)الَّذِي يُؤْتِي مَالَهُ يَتَزَكَّى(18)وَمَا لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزَى(19)إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى(20)وَلَسَوْفَ يَرْضَى] {الليل:17: 21} .
وتأمل معي حينما يعد الله سبحانه وتعالى بنفسه عبده بأنه سيرضى ، أي ثمن دُفع وأي سلعة تُشْترى ؟ ما أزهد الثمن المدفوع ، ولو كان الدنيا بأسرها ، وما أعظم السلعة المشتراة إنها الجنة .
- لما وقع حادث الإفك وتكلم الناس في حق السيدة عائشة ابنة الصديق رضي الله عنهما ، كان ممن تكلم في حقها مسطح بن أثاثة رضي الله عنه ، وهو من المهاجرين، وهو ابن خالة الصديق رضي الله عنه ، فحلف الصديق أن لا ينفع مسطح بنافعة أبدًا .
وهذا رد فعل تجاه من طعن ابنته ، فمسطح لم يتكلم في خطأ عابر للسيدة عائشة ، بل يطعن في عرضها وشرفها وهذه جريمة شنعاء وذنب عظيم . فلما نزلت البراءة وأقيم الحد على المتكلمين نزلت الآية الكريمة : [وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي القُرْبَى وَالمَسَاكِينَ وَالمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ] {النور:22}
لا يأتل: أي لا يحلف. أولوا الفضل: وهو وصف خاص بالصديق رضي الله عنه ، وللعلماء تعليقات كثير على هذه الشهادة من رب العالمين على الصديق أنه من أولي الفضل ، على إطلاقها فهي تعني كل أنواع الفضل .
فماذا كان رد فعل الصديق رضي الله عنه ؟
قال الصديق : بلى والله إنا نحب أن تغفر لنا يا ربنا . ثم أرجع إلى مسطح ما كان يصله من نفقة وقال : والله لا أنزعها منه أبدًا كل هذا وهو ليس بذنب ، بل قطع فضلًا ولم يقطع حقًا لمسطح .
أما نحن فللأسف الشديد ، كم مرة نسمع المغفرة ، ونحن على ذنب كبير حقيقي ، ونسمع: [أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ] {النور:22} . فنقول : إن شاء الله ، ونُسَوف في التوبة ، كم مرة سمعناها ، ونحن على ذنوبنا ؟
هذا هو الفرق بين الصديق، السبّاق إلى التوبة من ترك فضل وبين المُسَوّفين في التوبة ، فيجب علينا أن نتوب في هذه اللحظة ؛ لكي نكون قد تعلمنا حقًا من أبي بكر رضي الله عنه، وأرضاه .
- روى مسلم عن أبي هبيرة عائذ بن عمرو المزني رضي الله عنه أن أبا سفيان أتى على سلمان وصهيب وبلال في نفر، فقالوا : ما أخذت سيوف الله من عنق عدو الله مأخذها . فقال أبو بكر رضي الله عنه: أتقولون هذا لشيخ قريش وسيدهم ؟ فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال : يَا أَبَا بَكْرٍ لَعَلَّكَ أَغْضَبْتَهُمْ، لَئِنْ كُنْتَ أَغْضَبْتَهُمْ، لَقَدْ أَغْضَبْتَ رَبَّكَ . فأتاهم فقال: يا إخوتاه أغضبتكم؟ قالوا: لا، غفر الله لك يا أخي .
الصديق وأسرى بدر
ولما استشاره رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر الأسرى في موقعة بدر ، ماذا كان يرى في أولئك الذين عذبوهم وأخذوا أموالهم، وطردوهم من ديارهم ، وحرصوا على حربهم ، وكادوا يقتلونهم في بدر لولا أن الله من على المؤمنين بالنصر ؟
انظر إليه وكأنه يتحدث عن أصحابه لا يتحدث عن الأسرى ، بل كأنه يتحدث عن أصحابه وأحبابه ، لقد قال : يا رسول الله ، هؤلاء بنو العم والعشيرة والإخوان ، وإني أرى أن تأخذ فيهم الفدية ، فيكون ما أخذناه قوة لنا على الكفار ، وعسى أن يهديهم الله فيكونوا لنا عضدًا . أما عمر بن الخطاب ، فقد كان جوابه مختلفًا ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : مَا تَرَى يَا ابْنَ الْخَطَّابِ ؟
فيرد عمر بن الخطاب فيقول، ولنتأمل كلام عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو ملهم ، ومحدث ومسدد الرأي ، وفيه شدة واضحة على الكفر وأهله ، وهي شدة محمودة في زمان الحرب . بل إن رأيه هو ذلك الرأي الذي يريده الله ووافق فيه عمر ما أراد الله عز وجل : والله ما أرى ما رأى أبو بكر ، ولكن أرى أن تمكنني من فلان- أحد أقرباء سيدنا عمر- فأضرب عنقه ، وتمكن عليًا من عقيل بن أبي طالب ، فيضرب عنقه ، وتمكن حمزة من فلان أخيه ، فيضرب عنقه ، حتى يعلم الله أنه ليست في قلوبنا هوادة للمشركين ، وهؤلاء أئمتهم وقادتهم .
فيقول عمر بن الخطاب : فهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قال أبو بكر، ولم يهو ما قلت، وأخذ منهم الفداء. نلاحظ التقارب الشديد في الطباع بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين أبي بكر ، وإن كان الصواب في الموقف كان مع عمر . يقول عمر : فلما كان الغد غدوت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وهما يبكيان، فقلت : يا رسول الله ، أخبرني ماذا يبكيك أنت وصاحبك ؟ فإن وجدت بكاءً بكيت ، وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما .
لله درك يا ابن الخطاب ، عملاق آخر صنعه الإسلام رقة متناهية مختفية خلف الشدة الظاهرة ، وقلب يذوب ذوبانا في حب رسول الله وتواضع جم وأدب عظيم ، فقال رسول الله: لِلَّذِي عَرَضَ عَلَيَّ أَصْحَابُكَ مِنْ أَخْذِهِمُ الْفِدَاءَ ، فَقَدْ عُرِضَ عَلَيَّ عَذَابَهُمْ أَدْنَى مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ .
ولماذا العذاب ؟ وكأن بعض الصحابة أرادوا الدنيا بهذا الرأي ، وينزل قول الله : [مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللهُ يُرِيدُ الآَخِرَةَ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ(67)لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ] {الأنفال:67، 68} .
الكتاب الذي سبق هو قوله تعالى: [فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً] {محمد:4} .
ويلخص هذا كله رسول الله بتعليق جامع بعد قضية أسرى بدر، واختلاف العملاقين الكبيرين في الرأي:
إِنَّ مَثَلَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ مَثَلُ إِبْرَاهِيمَ قال:
[فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ] {إبراهيم:36} .
وَمَثَلُكَ يَا أَبَا بَكْرٍ مَثَلُ عِيسَى قَالَ:
[إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ] {المائدة:118}
وَإِنَّ مَثَلَكَ يَا عُمَرُ مَثَلُ نُوحٍ قَالَ:
[رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الأَرْضِ مِنَ الكَافِرِينَ دَيَّارًا] {نوح:26}.
وَمَثَلُكَ مِثَلُ مُوسَى قَالَ:
[رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا العَذَابَ الأَلِيمَ] {يونس:88} .
ولا أحد يُخَطِّئ إبراهيم عليه الصلاة والسلام وعيسى عليه السلام في رحمتهما مع المذنبين ، ولا أحد يخطئ نوح وموسى عليهما السلام في شدتهما في الحق .
إذن هذه المواقف وكثير غيرها توضح مدى الطبيعة الرقيقة الحانية التي جُبِل عليها الصديق رضي الله عنه . هذه الرقة الشديدة والنفس الخاشعة ، والطباع اللينة أورثت في قلب الصديق تواضعًا عظيمًا فاق كل تواضع .
تعالوا نرقبه بإمعان وهو يودع جيش أسامة بن زيد رضي الله عنهما، موقف عجيب ، أسامة بن زيد دون الثامنة عشر من عمره ، وهو جندي من جنود أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، وأبو بكر الصديق هو زعيم الدولة الأول ، خليفة المسلمين يتجاوز في العمر الستين سنة ، ومع ذلك يودع بنفسه جيش أسامة ، وهو ماش على قدميه ، وأسامة بن زيد يركب جواده ، ولك أن تتخيل الموقف ، أسامة على الجواد ، وأبو بكر يسير بجواره على الأرض ، قال أسامة : يا خليفة رسول الله ، إما أن تركب وإما أن أنزل .
فقال : والله لستَ بنازل ، ولستُ براكب ، وما عليَّ أن أُغَبّر قدمي في سبيل الله ساعة .
يا الله ، يا لها من تربية راقية تربية على منهج النبوة ، يربي نفسه على التواضع ، ويربي أسامة بن زيد على الثقة بالنفس ، ويربي الجنود على الطاعة لهذا الأمير الصغير ، ثم هو يربي كل المؤمنين على حسن التوجه وعلى إخلاص النية ووضوح الرؤية ، ثم هو يريد عمر بن الخطاب معه في المدينة ، وعمر بن الخطاب في جيش أسامة ، ومع أن أبا بكر الصديق هو القائد الأعلى لكل الخلافة إلا إنه يستأذن أسامة بن زيد قائلًا : إن رأيت أن تعينني بعمر فافعل .
أسامة بن زيد 18 سنة ، أي من عمر شاب في الثانوية العامة اليوم . وهو لا يتصنع التواضع ، ولكن هذا جزء لا يتجزأ من شخصيته رضي الله عنه وعن أصحابه ، وصلي اللهم وبارك على الذي علم هؤلاء مكارم الأخلاق ، وفضائل الأعمال . فى الحلقة القادمة بإذن الله سنستكمل حديثنا عن الجوانب الأخرى التى ميزت سيدنا أبى بكر الصديق رضى الله عنه فانتظرونا
دمتم فى حفظ الله يتبع | |
|
| |
awful_chesser الشخصيات الهامة
عدد المساهمات : 811 تاريخ التسجيل : 11/01/2009 العمر : 40 العمل/الترفيه : مدرس لغة انجليزية المزاج : عنب
| موضوع: رد: مع الصحابة الأحد أغسطس 01, 2010 8:24 am | |
| ربنا يكرمك يامس جنة ..........موضوع جميل ربنا ينفعنا واياكي به ويجعله في ميزان حسناتك | |
|
| |
جنة الله الشخصيات الهامة
عدد المساهمات : 1248 تاريخ التسجيل : 18/07/2009 العمر : 36
| موضوع: رد: مع الصحابة الأحد أغسطس 01, 2010 8:18 pm | |
| اللهم آمييييين ربنا يكرمنا ويكرمك يا مستر وينفعنا واياك به شكرا لمرورك الكريم وردك الأكرم تقبل تحياتى | |
|
| |
جنة الله الشخصيات الهامة
عدد المساهمات : 1248 تاريخ التسجيل : 18/07/2009 العمر : 36
| موضوع: رد: مع الصحابة الأربعاء أغسطس 11, 2010 1:00 am | |
| | |
|
| |
mr_sharief عضو فعال
عدد المساهمات : 598 تاريخ التسجيل : 04/06/2009
| موضوع: رد: مع الصحابة الأربعاء أغسطس 11, 2010 2:18 am | |
| ربنا يكرمك ويتقبل منك وياربك فيكي أخت جنة كل عام وأنت بخير وإلى الله اقرب وعلى طاعته أدوم | |
|
| |
جنة الله الشخصيات الهامة
عدد المساهمات : 1248 تاريخ التسجيل : 18/07/2009 العمر : 36
| موضوع: رد: مع الصحابة الأربعاء أغسطس 11, 2010 11:09 pm | |
| ربنا يكرمنا ويكرمك يا مستر ويتقبل منا ومنك ويبارك فينا جميعا كل عام وحضرتك بخير وإلى الله أقرب وعلى طاعته أدوم شكرا لمرورك الكريم وردك الأكرم وكل سنة وحضرتك طيب وكل أعضاء المنتدى طيبين والأمة الاسلامية طيبه بمناسبة شهر رمضان الكريم ربنا يعوده علينا وعلى الأمة الإسلامية بالخير واليمن والبركات تقبل تحياتى | |
|
| |
جنة الله الشخصيات الهامة
عدد المساهمات : 1248 تاريخ التسجيل : 18/07/2009 العمر : 36
| موضوع: رد: مع الصحابة الخميس أغسطس 12, 2010 12:00 am | |
| الحلقة الخامسة من سيرة سيدنا أبو بكر الصديق رضى الله عنهسنستكمل حديثنا اليوم أخواتى وإخوانى الكرام عن نعمة السبق التى ميزت سيدنا أبى بكر الصديق رضى الله عنه خامس عشر: بعض الناس يعاني مرضا خطيرا لا يرجى في وجوده تغيير ولا إصلاح، بل يقعده هذا المرض حتى يرى كيف تسير الأمور؟ ثم يسير معها أينما سارت، ذلك المرض هو السلبية، السلبية تقعد بصاحبها عن كل خير، فلا يفعله إلا إذا فعله الناس، ويصبح بذلك رجل إمعة، كهذا الذي صوره لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث له رواه الترمذي عن حذيفة رضي الله عنه:
لَا تَكُونُوا إِمَّعَةً تَقُولُونَ: إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَحْسَنَّا، وَظَلَمُوا ظَلَمْنَا، وَلَكِنْ وَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ تُحْسِنُوا، وَإِنْ أَسَاءُوا فَلَا تَظْلِمُوا.
فالرجل الإمعة هذا لا يصلح إلا أن يكون تابعًا، وهي صفة من صفات المنافقين [الَّذِينَ يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِنَ اللهِ قَالُوا أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ وَإِنْ كَانَ لِلْكَافِرِينَ نَصِيبٌ قَالُوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِنَ المُؤْمِنِينَ فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى المُؤْمِنِينَ سَبِيلًا] {النساء:141} .
هذه السلبية هي التي صدت رجلًا عاقلًا مثل عتبة بن ربيعة، فإنه لما سمع كلام الله عز وجل على لسان الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، وأثرت فيه الآيات المعجزات من صدر سورة فصلت، عاد إلى قومه مسرعًا يتحدث عن القرآن، وكأنه داعية من دعاة الإسلام، قال:
سمعت قولًا، والله ما سمعت مثله قط، والله ما هو بالشعر، ولا بالسحر، ولا بالكهانة. فماذا كان نتيجة هذا اليقين بصدق ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم، وماذا فعل بعد العلم، اقرأ إليه وهو يعرض رأيه، يقول عتبة بن ربيعة:
يا معشر قريش، أطيعوني واجعلوها بي، خلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه، فاعتزلوه، فوالله ليكونن لقوله الذي سمعت منه نبأ عظيم، فإن تصبه العرب، فقد كفيتموه بغيركم، وإن يظهر على العرب، فملكه ملككم، وعزه عزكم، وكنتم أسعد الناس به.
قالوا: سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه. قال: هذا رأيي فيه، فاصنعوا ما بدا لكم.
فالرجل عتبة بن ربيعة سلبي إلى أبعد درجات السلبية، فهو على يقين من صدق محمد صلى الله عليه وسلم، ويعلم أن هذا الكلام ليس بكلام بشر، ومع ذلك فرأيه الذي يظنه حكيما أن تخلي قريش بين الرسول صلى الله عليه وسلم وبين العرب، فإن انتصر العرب عليه فهم مع العرب، وقد أراحوا أهل قريش من محمد صلى الله عليه وسلم ولم يصبهم أذى، وإن انتصر محمد صلى الله عليه وسلم على العرب سارعوا بالانضمام إلى محمد صلى الله عليه وسلم، سلبية مطلقة، فلما اعترض القوم على كلامه وقالوا: سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه.
فماذا فعل؟ ماذا فعل أبو الوليد الرجل العاقل الحكيم الذي أدرك صدق الرسالة؟ قال: هذا رأيي فيه، فاصنعوا ما بدا لكم.
والقوم صنعوا السيئ والقبيح، فإذا به يصنع السيئ والقبيح معهم، بل إنهم خرجوا يقاتلون النبي صلى الله عليه وسلم في بدر، فإذا بعتبة بن ربيعة يحمل سيفه، ويخرج مع الكافرين يقاتل رجلًا تيقن أنه نبي، أي سلبية، وأي إمعية، هذا الطراز الفاشل لا يصلح للدعوات المصلحة.
أبو بكر الصديق رضي الله عنه على طرفي النقيض من عتبة بن ربيعة، فليس في الإسلام رجلًا بعد النبي صلى الله عليه وسلم أبعد عن السلبية من أبي بكر الصديق رضي الله عنه، ظهرت إيجابيته في كل مواقفه رضي الله عنه، ظهرت في إسلامه، وفي إعتاقه للعبيد، وفي دفاعه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في فترة مكة، ثم المدينة، وفي إعداده للهجرة، وفي ثباته في كل غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم، وظهرت إيجابيته عند وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وظهرت في حروب الردة وفارس والروم، وفي جمعه للقرآن، ظهرت إيجابيته في مساعدة الفقراء والمحتاجين وكبار السن من عامة المسلمين، كان رضي الله عنه وأرضاه نبراسًا لكل مصلح، ودليلًا لكل محسن، وما معروفًا إلا وأمر به، ولا رأى منكرًا إلا وحاول تغييره بكل طاقاته، بيده، ولسانه، وقلبه؛ لذلك شق عليه كثيرًا أن يرى بعض المؤمنين يتركون النهي عن المنكر؛ لأنهم فهموا آية من آيات الله عز وجل على غير معناها الصحيح، لقد سمع بعض المؤمنين الآية الكريمة
[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ] {المائدة:105} .
ظن بعض المؤمنين أن هذه دعوة إلى ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ظنوا أن الله يقول لهم: عليكم أنفسكم؛ أي اهتموا بأنفسكم فقط لا يضركم ضلال الآخرين فلا تهتموا بهم.
والأمر على خلاف ذلك تمامًا، وقف أبو بكر رضي الله عنه ليصحح لهم الفهم، وليصلح فهم الطريق، قال بعد أن حمد الله وأثنى عليه:
أيها الناس إنكم تقرءون هذه الآية: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ] {المائدة:105} .
وإنكم تضعونها على غير موضعها، وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوُا الْمُنْكَرَ وَلَا يُغَيِّرُونَهُ يُوشِكُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَعُمَّهُمْ بِعِقَابِهِ. روى ذلك أصحاب السنة، والإمام أحمد، وابن ماجه، وهكذا فإن الرجل الإيجابي العظيم كان ولا بد أن يسعى للتغيير، والإصلاح إذا وجد المنهج القويم المعين على ذلك، وقد وجد ضالته في الإسلام فما تردد ولا تأخر.
سادس عشر: كثيرًا ما يقتنع الرجل بفكرة، أو قضية، أو موضوع، ثم إذا به يُصَد عنها بصحبته السيئة، فكما روى الترمذي وأبو داود عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الرَّجُلُ عَلَى دِينِ خَلِيلِهِ، فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُمْ مَنْ يُخَالِلْ.
كثيرًا ما رأينا في فترة مكة مجموعات من الأصدقاء تؤمن أو مجموعات من الأصدقاء تكفر، فالرجل يتأثر بأحبابه وأصحابه، رأينا مثلًا رجلًا عاقلًا ذكيًا لبيبًا مثل خالد بن الوليد رضي الله عنه يتأخر الإسلام عشرين سنة كاملة، فمَنْ أصحابه المقربون؟
عمرو بن العاصي رضي اله عنه، ظل أيضًا عشرين سنة كافرًا، وعثمان بن أبي طلحة ظل أيضًا كافرًا عشرين سنة، والثلاثة من أصحاب الذكاء والفطنة والمروءة والنجدة، لكن اجتمعوا على باطل، فأضل كل واحد منهم صاحبيه، وتعاهدوا على ذلك، ثم سبحان الله بعد السنوات الطوال، يدخل الإيمان تدريجيًا في قلب أحدهم فيسري بسهولة إلى الآخر، ثم إلى الثالث، ثم إذا بهم يذهبون للإسلام على يد الرسول صلى الله عليه وسلم في يوم واحد في السنة السابعة للهجرة، وذلك ليثبتوا قيمة الصحبة، وقيمة الأخلّاء فلما كانوا على الكفر تعاهدوا عليه، ولما أشرف الإيمان في قلوبهم أيضًا تعاهدوا عليه. مثال آخر: هو أبو البَختري بن هشام، وكان من المشركين، لكنه لم يكن يؤذ رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل على العكس كان من الذين قاموا لنقض صحيفة المقاطعة المشهورة، ولكونه كف الأذى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن قتله يوم بدر، فقابله أحد الصحابة المجذر بن زياد البلوي، فوجده يقاتل بجوار صديق له، فقال: يا أبا البختري، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد نهانا عن قتلك. فقال: وزميلي؟ فقال المجذر:لا والله ما نحن بتاركي زميلك. فقال: والله لأموتن أنا وهو جميعا.
ثم اقتتلا فاضطر، المجذر إلى قتله، فهذه صداقة كافرة قادتهما إلى موت على كفر، ولو لم تكن الصداقة لنجا أبو البختري، ولكن اختياره لأصدقائه كان سببًا في هلاكه.
أصدقاء الصديق رضي الله عنه [ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا] {التوبة:40} ..
صاحبه الأول حتى قبل الإسلام كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكفى به صاحبًا، ثم أصحابه الآخرون عثمان بن عفان، الزبير بن العوام، طلحة بن عبيد الله، وغيرهم من أبطال الإسلام، هؤلاء هم أصحابه قبل الإسلام، إذن رجل أحاط نفسه بدائرة من أصحاب كهؤلاء، لا بد وأن يسهل عليه أمر الإيمان، ولو صاحب الأراذل من الناس لصدوه عن الفضائل، روى البخاري ومسلم، عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ.
سابع عشر: من الصفات الذميمة التي كثيرًا ما صدت أقوامًا عن دعوة الإسلام صفة الجَدَل، والجدل لا يهلك الأفراد فقط، بل يهلك الأمم، والمجادلون قوم فتنوا بعقولهم، فآثروا أن يستمروا في حوار لا ينقطع، غالبًا لا ينبني عليه كثير عمل، ويخرجون من نقطة إلى نقطة، ويناقشون من زاوية، ثم إلى زاوية أخرى، وليس في العزم اتباع الحق، وليس في النية الاهتداء إلى سواء السبيل، اقرأ وصف القرآن للمجادلين من أهل قريش: [وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آَذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آَيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا حَتَّى إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الأَوَّلِينَ] {الأنعام:25} .
وصورة أخرى من الجدل:
[وَقَالُوا أَئِذَا كُنَّا عِظَامًا وَرُفَاتًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقًا جَدِيدًا(49) قُلْ كُونُوا حِجَارَةً أَوْ حَدِيدًا(50) أَوْ خَلْقًا مِمَّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنَا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُءُوسَهُمْ وَيَقُولُونَ مَتَى هُوَ قُلْ عَسَى أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا]. {الإسراء:49، 50}.
صورة أخرى عقيمة من الجدل:
[وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنْبُوعًا(90)أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا(91)أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللهِ وَالمَلَائِكَةِ قَبِيلًا(92)أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا] {الإسراء:90: 93}.
صورة مكررة من الجدل والنقاش والحوار ليس من ورائها طائل، وحتى لو تحقق ما يطلبون، فسيأتون بشبهة جديدة وسؤال عقيم آخر:
[وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ(14)لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ] {الحجر:14، 15}.
وأبو بكر الصديق رضي الله عنه كما وصفه مقربوه كان سهلًا لينًا هينًا، كان رضي الله عنه قليل الجدل، قليل السؤال، بل قليل الكلام، كان يضع أحيانًا حصاة في فيه، فإذا أراد أن يتكلم رفعها ليتكلم، وذلك حتى لا يتكلم كلما اشتهى الكلام، بل يفكر أولًا، ما إن عُرض عليه الإسلام حتى قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم:
والله ما جربت عليك كذبا، وإنك لخليق بالرسالة لعظم أمانتك، وصلتك لرحمك، وحسن فعالك، مد يدك فإني مبايعك، وموقفه في حادث الإسراء موقف لا ينسى، مواقفه جميعًا رضي الله عنه كانت مبرأة من الجدل والمراء، فسَلِم وسلمت خطواته، وهكذا فالجدل من الصفات الذميمة التي تصد كثيرًا من الخلق عن طريق الهداية، وهي رسالة إلى كل الداعين إلى الله، أن اختبر من تدعوه فإن كان ممن تمرسوا على الجدال، ورغبوا فيه، فكن كأبي بكر الصديق رضي الله عنه، وكن كعباد الرحمن الذين وصفهم الله عز وجل: [وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا] {الفرقان:63} .
ثامن عشر: البخل والشح من الصفات التي تبتعد بصاحبها عن دعوة الإسلام، الرجل الشحيح يعلم أن هذه الدعوة الجديدة ستحتاج إلى حماية ورعاية وتضحية وإنفاق، وهو لذلك يفكر ألف مرة، قبل أن يرتبط بهذه الدعوة، ولذلك فالشح قد يؤدي بالرجل إلى التهلكة، وتكون التهلكة باستبداله بغيره: [هَاأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللهُ الغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ] بل إن الشح قد يهلك أمة، روى الإمام مسلم عن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اتَّقُوا الظُّلْمَ فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَاتَّقُوا الشُّحَّ فَإِنَّ الشُّحَّ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، حَمَلَهُمْ عَلَى أَنْ سَفَكُوا دِمَاءَهَمْ وَاسْتَحَلُّوا مَحَارِمَهُمْ.
فالشح قد صد اليهود مثلًا عن الإيمان بهذا الدين:
[لَقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الحَرِيقِ] {آل عمران:181} .
قالوا هذا القول الفاحش لما سمعوا قول الله عز وجل:
[مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ] {البقرة:245} .
هم جُبِلوا على التضحية بكل شيء في سبيل المال، فكيف يرتبطون بدعوة تدعو إلى جهاد بالنفس والمال؟! أمـا أبو بكر الصديق رضي الله عنه فقد كان مجبولًا على حب الإنفاق، وعلى حب العطاء، وليس في الإسلام بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من هو أكرم من أبي بكر الصديق رضي الله عنه، ومواقفه في ذلك لا تحصى ولا تعد.
وكان هذا العطاء قبل وبعد الإسلام، وقبل وبعد الهجرة، وقبل وبعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقبل وبعد استخلافه، وحتى آخر لحظة في حياته، رجل جُبِل على الكرم، وهذا الصنف من الرجال لا تكفيه الاستجابة فقط لدعوات الخير، بل يسعى ويكد ويجتهد، حتى يرتبط بمثل هذه الدعوات.
تاسع عشر: دعوة الإسلام هي دعوة لكل الأجيال والأعمار، هي دعوة للصغير والكبير والشاب والشيخ، لكن مما لا شك فيه أن أنسب الأعمار لتحقق الإجابة هي الفترة المتأخرة في سن الشباب، أقصد فترة الثلاثينات من العمر وأحيانًا العشرينات من العمر، وذلك أن الشيخ الكبير يكون مطبوعًا على عقائد معينة، وأفكار خاصة من الصعب أن تغيرها، وأحيانًا يعتاد أشياء خاطئة، ثم يعلم أنها خاطئة فلا يستطيع تصحيحها، وهذا واقع نشاهده وندركه، والشاب الصغير كثيرًا ما يكون طائشًا في تصرفاته، متسرعًا في أحكامه، تنقصه الخبرة اللازمة، والرأي الحكيم، ثم إنه قد يكون ملتفتًا إلى شهواته، وملذاته، منصرفًا عن من ينغص عليه هذه الشهوات والملذات، وفوق ذلك فإنه في الغالب ما يكون تابعًا لرأي والده وعائلته، وبالذات في المجتمع القبلي المعتز بالآباء والأجداد، أما الرجل البالغ في متوسط العمر فإنه قد تجاوز مرحلة الطيش والشهوات والاتباع، وأصبح يقود نفسه وعائلته، وتكون قد حنكته التجارب فيحكم الرأي، ويصيبه، ومن الناحية الأخرى فهو لم يبلغ من العمر أرذله بحيث تصده السنوات الطوال عن التغيير والإصلاح، أبو بكر الصديق أسلم وهو في الثامنة والثلاثين من العمر وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأربعين من العمر، وهو سن يجمع بين كل الخير، ففيه حماسة الشباب وطاقتهم، وفيه أيضًا حكمة الشيوخ وخبرتهم، فلم يكن عجيبًا أن يأخذ قرارًا هامًا مثل قرار دخول الإسلام إذا رأى فيه خيرًا، دون انتظار لرؤية والد أو كبير، يظهر هذا في حواره مع أبيه بعد ذلك، وقد أسلم الابن أبو بكر الصديق، وظل الوالد فترة كبيرة دون إسلام، فمع اختلاف العقيدة لم يكن الأب يلوم عليه كثيرًا في إسلامه، ولم يكن يعنفه أو يعذبه، مثلما فعلت القبائل الأخرى مع شبابها، بل كان يبادله الرأي، وينصحه، فمثلًا ينصحه مرة أن يعتق الرجال الأشداء من العبيد بدلًا من إعتاق الضعفاء حتى يحمونه، ومرة ينصحه بترك مال للأولاد، ولا ينفقه كله في سبيل الله، نعم وجهات نظر مختلفة عن وجهة نظر الصديق رضي الله عنه، لكنه لم يكن يفرض عليه رأيًا، أو يجبره على فعل، فقد صار الصديق رجلًا حكيمًا عاقلًا، قد يحتاج إلى مشورة، ولكنه لا يحتاج إلى إكراه أو إرغام، وسبحان الله، فإن سن الأربعين هذا هو غاية النضج والرشد، وفيه تكتمل جميع الطاقات، ويصبح الإنسان قادرًا على التفكر والتدبر والرجوع إلى الصواب، والاستقامة على المناهج السليمة، وقد بين الله ذلك في كتابه عندما قال:
[حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ المُسْلِمِينَ] {الأحقاف:15} .
بلوغ الأشد، وهذا الكلام العاقل الرزين، وهذه العودة إلى الله أقرب ما تكون عند سن الأربعين وما حولها، يقول ابن كثير: [وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً] {الأحقاف:15} أي: تناهى عقله، وكمل فهمه وحلمه.
وأبو بكر لم يختر أن تنزل الرسالة، وهو في سن الثامنة والثلاثين قريبًا من الأربعين، ولكن الله اختار ذلك، فكما صنع محمدًا على عينه سبحانه، وهيأه للرسالة، وهو في الأربعين من عمره، فإن الله أيضًا اصطفى من الخلق من يصلح أن يكون صاحبًا لهذا الرسول، وخليفة من بعده، فهيأه منذ خلق، وولد؛ ليكون في هذا العمر وقت نزول الرسالة
[صُنْعَ اللهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ] {النمل:88}.
عشرون والأخيرة: إذا توافقت بعض صفات الفرد مع فرد آخر، فإنه ينشأ نوع من التجاذب بين الفردين، وكلما زادت التوافق كلما ازداد التجاذب، حتى يصل إلى حد أن يكون الفردان روحًا واحدة في جسدين، فيفرح أحدهما فرحًا حقيقيًا لفرح الآخر، ويحزن أحدهما حزنًا حقيقيًا لحزن الآخر، ويألم أحدهما حقيقة لألم الآخر، حالة كهذه تفسر أن يقتنع رجل برأي رجل آخر، بل يدافع عنه إلى نهاية المطاف، مع كون هذا الرأي محارَبًا من عامة الناس، ذلك أنه أصبح دون تكلف، ولا افتعال كرأيه تمامًا، ولا أحسب أن رجلًا في أمة الإسلام كان شديد الشبه برسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وبالطبع فالمقصود هو الشبه في الأخلاق والأفعال لا في الصور والأجساد، ألا يلفت الأنظار أن الصفة الرئيسية التي اشتهر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة قبل البعثة وبعدها هي صفة الصدق، والأمانة، فعُرف بالصادق الأمين، ثم تجد أن الصفة الرئيسية التي اشتهر بها أبو بكر الصديق رضي الله عنه هي أيضًا صفة الصدق حتى عرف بالصديق، بل كان عمله في الجاهلية كما سيأتي شرحه إن شاء الله هو ضمان الديات والمغارم، وهو عمل يحتاج إلى صدق وأمانة، ألا يلفت هذا الأنظار إلى شخصيتين متقاربين جدًا، حتى في غلبة صفة معينة على لقبهم الذي يشتهران به، فيعرف هذا بالصادق الأمين، وهذا بالصديق، بل أعجب من ذلك، لما نزل الوحي على الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، عاد مذعورًا إلى السيدة خديجة رضي الله عنها يرجف فؤاده وهو يقول:
زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي. ثم أخبر خديجة بالخبر، وقال لها: لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي. فقالت خديجة رضي الله عنها وأرضاها: كلا، والله لا يخزيك الله أبدًا. ثم بدأت تصف رسول الله صلى الله عليه وسلم فماذا قالت؟ قالت: إنك لتصل الرَّحِم، وتحمل الكَلّ، وتُكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق.
هذه هي المبررات التي قالت من أجلها السيدة خديجة إن الله لا يخزي الرسول صلى الله عليه وسلم، وهي جميعًا صفات تختص بعلاقة الرسول صلى الله عليه وسلم بالمجتمع الخارجي، وعلاقاته بالناس، وهي أساس الدين.
احفظ هذا الموقف، وتعال نراجع ما قاله زيد بن الدغنة سيد قبيلة القارة وهو يسأل أبا بكر عن سبب خروجه من مكة مهاجرًا إلى الحبشة، فقال أبو بكر: أخرجني قومي، فأريد أن أسيح في الأرض، وأعبد ربي.
هنا قال ابن الدغنة: فإن مثلك يا أبا بكر لا يخرج ولا يخرج مثله. لماذا في رأي ابن الدغنة لا يجب أن يخرج ولا يخرج رجل مثل أبي بكر؟ يبرر ذلك فيقول: إنك تكسب المعدوم، وتصل الرَّحِم، وتحمل الكَلّ، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق.
سبحان الله، نفس الخمس صفات التي ذكرتها السيدة خديجة في صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا الاتفاق الملحوظ يفسر كثيرًا سرعة تلبية الصديق لدعوة الإسلام، فالدعوة وكأنها أنزلت عليه لا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحركته لها ستكون في حماسة قريبة جدًا من حماسة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا نجد شخصًا فيه هذا التوافق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كالذي كان بين الصاحبين الجليلين مما يؤكد أن الله كما اختار محمد صلى الله عليه وسلم للرسالة فقد اختار أبا بكر للصحبة.
ثم من فضل الله على الأمة أن استخلف أبو بكر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكان امتدادًا طبيعيًا جدًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ومع عظم الخطب بوفاة الرسول صلى الله عليه وسلم إلا أن الاستخلاف بالصديق هون كثيرًا من المصيبة على المسلمين.
إذن نقول: إن موانع الاستجابة لدعوة الإسلام لم تكن موجودة عند الصديق رضي الله عنه، بل على العكس كانت لديه دوافع كثيرة لسرعة التلبية، عددنا منها عشرين أمرًا، ولعل هناك أكثر من ذلك، والأمر مفتوح للبحث؛ لأن الحدث كبير، ويحتاج إلى وقفات كثيرة، وتحليلات أكثر.
كانت هذه الفقرة السابقة بكاملها، وهي فقرة سبقه إلى الإسلام عبارة عن نقطة من النقاط التي تثبت الصفة الثالثة من صفات الصديق رضي الله عنه الأساسية التي نتحدث عنها، وهي صفة السبق والحسم وعدم التسويف، وإن كان السبق إلى الإسلام حدثًا هامًا لا يغفل، فالسبق في حياة الصديق رضي الله عنه كان علامة مميزة له في كثير من المواقف الأخرى، بل لعله كان حريصًا ألا يُسبق في أي مجال من مجالات الحياة، تشعر وأنت تقرأ سيرته أنه قد اتخذ في حياته شعارًا واضحًا: [وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى] {طه:84} .
فكأنه رضي الله عنه وأرضاه دائم العجلة إلى الله عز ووجل.
نذكر هنا بعض الأمثلة الأخرى التي تساعد في فهم معنى السبق في حياة الصديق رضي الله عنه، وإن كان من المستحيل حصر كل الأمثلة في حياته، فهي حياته كلها:
سبقه إلى الاطمئنان على إيمانه حرصه، وسبقه، وحسمه في الاطمئنان على صدق إيمانه، وعلى عقيدته، وهذا كلام قد يتعجب له الكثير، قد نفهم أن نعرض قضية سرعة إسلامه للمناقشة؛ لغرابتها، ولكن الجميع يعلم أنه منذ أن أسلم وهو أعلى الصحابة إيمانًا وأمنتهم عقيدة، فكيف يسارع إلى الاطمئنان على عقيدته وإيمانه، هل من الممكن أن يشك أحد في هذا الإيمان، وفي هذه العقيدة، اسمع إلى هذه القصة العجيبة:
روى الإمام مسلم رحمه الله عن أبي ربعي حنظلة بن ربيع الأسيدي الكاتب أحد كتاب الرسول صلى الله عليه وسلم قال:
لقيني أبو بكر رضي الله عنه فقال: كيف أنت يا حنظلة؟ فالصديق رضي الله عنه يطمئن على حال حنظلة بسؤال عادي: كيف أنت؟ لكن حنظلة رضي الله عنه فاجأ الصديق بإجابة غير عادية، إجابة غريبة، قال: نافق حنظلة. نافق حنظلة؟! حنظلة من الرجال المشهود لهم بالإيمان، فكيف يقول ذلك عن نفسه، تعجب الصديق رضي الله عنه، وسارع يقول: سبحان الله، ما تقول؟ فبدأ حنظلة رضي الله عنه يفسر كلماته العجيبة وقال: نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرنا بالجنة، والنار كأنا رأي العين، فإذا خرجنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات فنسينا كثيرًا.
يقصد أنهم في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم يتأثرون كثيرًا بالكلام عن الجنة والنار، حتى وكأنهم يرونها عيانًا بيانًا، ومن المؤكد وهم في هذه الحالة يعتزمون أن لا يفعلوا شيئًا في حياتهم إلا أفعال الآخرة فقط، ينوون أن يخرجوا، فيفردون الأوقات الطويلة في الصلاة والقرآن والقيام والدعوة والجهاد وغير ذلك، ويصبحون في حالة زهد تام في الدنيا وقناعها، لكن سبحان الله إذا خرجوا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم اختلطوا بأمور الحياة الطبيعية، عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات، يعني لاعبنا وتعاملنا مع الأزواج، والأولاد، والمعايش المختلفة، عند هذه الحالة الأخيرة ينسون كثيرًا مما سمعوه من الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، هذا التباين في حالتهم في مجلس العلم، وحالتهم في معترك الحياة العامة عده حنظلة نفاقًا، وهذه ولا شك حساسية مفرطة وتحرٍ عميق لقضية الإيمان، وكان من المتوقع من أبي بكر الصديق الذي يزن إيمانه إيمان أمة أن يهون الأمر على حنظلة، ويوضح له أن ذلك يعتبر شيئًا طبيعيًا، فمن المستحيل على المرء أن يظل على حالة إيمانية مرتفعة جدًا دون هبوط، ولو قليل، كان من المتوقع من هذا الصديق رضي الله عنه الذي لا يشك أحد في إيمانه، والمبشر بالجنة تصريحًا والمقدم على غيره دائمًا، كان من المتوقع منه أن يحادثه في قضية الإيمان برباطة جأش، وثبات قدم، لكن الصديق رضي الله عنه رجل المفاجآت رضي الله عنه، وقف يحاسب نفسه بسرعة، عقله لا يتوقف عن مساءلة نفسه، وقلبه لا يطمئن على عظيم إيمانه، حاسب نفسه بصراحة ووضوح فكانت المفاجأة العظمى أن قال:
فوالله إنا لنلقى مثل هذا.
سبحان الله، أبو بكر الصديق المشهود له بالإيمان من رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل ليس إيمانًا عاديًا، بل إيمان كإيمان أمة، أو يزيد، والمشهود له بالتقوى من الله عز وجل، حيث قال في حقه:
[وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى] {الليل:17} .
يقصد أبا بكر، هذا الرجل يجد في نفسه هذا الأمر الذي خشي أن يكون نفاقًا، ومع أن الخاطر عجي ومع أن الهاجس غريب، ومع أنه من الطبيعي تمامًا لرجل في مكانته أن يطرد هذه الأفكار بسرعة، إلا أن الصديق ليس كذلك، الصديق يسبق إلى الاطمئنان على إيمانه، فإذا به يسارع مع حنظلة رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم للاطمئنان على قضية الإيمان، يقول حنظلة رضي الله عنه:
فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على الرسول صلى الله عليه وسلم هنا سارع حنظلة يقول: نافق حنظلة يا رسول الله. فتعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: وَمَا ذَاكَ؟ قال حنظلة: يا رسول الله، نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة، كأنا رأي العين،فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات، نسينا كثيرًا.
هنا يتكلم الطبيب الماهر، والحكيم العظيم رسول الله صلى الله عليه وسلم وكأني الحظ على وجهه ابتسامة رقيقة وبشرًا في أساريره وحنانًا في صوته بأبي هو وأمي، وهو يقول في هدوء وتؤدة: والَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ تَدُومُونَ عَلَى مَا تَكُونُونَ عِنْدِي وَفِي الذِّكْرِ لَصَافَحَتْكُمُ الْمَلَائِكَةُ عَلَى فُرُشِكِمْ وَفِي طُرُقِكُمْ، وَلَكِنْ يَا حَنْظَلَةُ سَاعَةً وَسَاعَةً. ثلاث مرات.
ومن المفهوم يقينًا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقصد ساعة طاعة وساعة معصية كما يفهم كثير من الجهال أن هناك ساعة لله، وساعة يخرجون فيها عن منهجه وشرعه، لكن المقصود هو ساعة تفرغ وخلوة واجتهاد في الطاعة، وساعة أخرى تفرغ لأمور الدنيا الحلال، والذي يطالب الإنسان بها أيضًا في شرع الله كرعاية الأزواج والأولاد، ومتابعة أسباب الرزق واللهو الحلال، والنوم الذي لا يضيع صلاة، وغير ذلك من أمور الحياة المختلفة.
الشاهد اللطيف في القصة هو حرص الصديق على قضية الإيمان مع أنه كان من الممكن أن ينتظر حتى يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلاة من الصلوات، لكنه سارع إليه مطبقًا شعاره
[وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى] {طه:84}.
فى الحلقة القادمة بإذن الله سنستكمل حديثنا عن نعمة السبق التى ميزت سيدنا أبى بكر الصديق رضى الله عنه فانتظرونا
دمتم فى حفظ الله يتبع
| |
|
| |
awful_chesser الشخصيات الهامة
عدد المساهمات : 811 تاريخ التسجيل : 11/01/2009 العمر : 40 العمل/الترفيه : مدرس لغة انجليزية المزاج : عنب
| موضوع: رد: مع الصحابة الخميس أغسطس 12, 2010 1:52 am | |
| ماشاء الله موضوع رائع والله يامس جنة .........ربنا يزيدك حماس على حماسك واخلاص على اخلاصك ويبلغكي والمسلمين ليلة القدر | |
|
| |
الماجيكو عضو جديد
عدد المساهمات : 12 تاريخ التسجيل : 31/07/2010 العمر : 42 المزاج : دايما الحمد لله
| موضوع: رد: مع الصحابة الخميس أغسطس 12, 2010 11:13 am | |
| بارك الله فيكى يا اخت جنة وجعله فى ميزان حسناتك | |
|
| |
جنة الله الشخصيات الهامة
عدد المساهمات : 1248 تاريخ التسجيل : 18/07/2009 العمر : 36
| موضوع: رد: مع الصحابة الخميس أغسطس 12, 2010 11:55 pm | |
| - awful_chesser كتب:
- ماشاء الله موضوع رائع والله يامس جنة .........ربنا يزيدك حماس على حماسك واخلاص على اخلاصك ويبلغكي والمسلمين ليلة القدر
ربنا يكرمك يا مستر ربنا يبلغنا واياك والمسلمين جميعا ليلة القدر ان شاء الله شكرا لمرورك الكريم وردك الأكرم تقبل تحياتى | |
|
| |
جنة الله الشخصيات الهامة
عدد المساهمات : 1248 تاريخ التسجيل : 18/07/2009 العمر : 36
| موضوع: رد: مع الصحابة الجمعة أغسطس 13, 2010 12:00 am | |
| - الماجيكو كتب:
بارك الله فيكى يا اخت جنة وجعله فى ميزان حسناتك بارك الله فينا وفيك يا أخى شكرا لمرورك الكريم وردك الأكرم تقبل تحياتى | |
|
| |
جنة الله الشخصيات الهامة
عدد المساهمات : 1248 تاريخ التسجيل : 18/07/2009 العمر : 36
| موضوع: رد: مع الصحابة الجمعة أغسطس 13, 2010 12:29 am | |
| الحلقة السادسة من سيرة سيدنا أبو بكر الصديق رضى الله عنهسنستكمل حديثنا اليوم أخواتى وإخوانى الكرام عن نعمة السبق التى ميزت سيدنا أبى بكر الصديق رضى الله عنه
سبقه إلى الدعوة
وسبحان الله، إن كان عجيبًا سبق الصديق إلى الإسلام، فلعل الأعجب من ذلك سبقه إلى الدعوة إلى هذا الدين، وحماسه لنشره وحميته لجمع الأنصار له، وسرعته في تبليغ ما علم من الرسول صلى الله عليه وسلم مع قلة ما علمه.
سَبَق الصديق إلى الدعوة إلى هذا الدين الجديد، فإذا به يأتي في اليوم الأول لدعوته بمجموعة من الرجال قَلّ أن يجتمعوا في زمان واحد، الرجل بألف رجل أو يزيد، أتى في اليوم الأول بخمسة هم:
عثمان بن عفان. الزبير بن العوام. سعد بن أبي وقاص. طلحة بن عبيد الله. عبد الرحمن بن عوف.
ما هذا؟! هؤلاء الخمسة، صناديد الإسلام، وعباقرته، أتوا جميعًا على يد الصديق؟ نعم، صِدْق، فهو الصديق، والحدث عظيم، ويحتاج إلى وقفات، فبتحليل إسلام هؤلاء الخمسة يزداد المرء عجبًا:
الملحوظة الأولى:
ليس من هؤلاء أحد من قبيلة بني تيم إلا طلحة بن عبيد الله فقط، وبقيتهم من قبائل أخرى فعثمان بن عفان أموي، من بني أمية، والزبير بن العوام من بني أسد، وسعد بن أبي وقاص، وعبد الرحمن بن عوف من بني زُهرة، فالاستجابة له لم تكن من باب القبلية، ولكن كما هو واضح كان له صداقات قوية، وعلاقات وطيدة بكثير من أركان المجتمع المكي قبل الإسلام، وهذا ولا شك أساس من أسس الدعوة.
الملحوظة الثانية:
أن أعمار هذه المجموعة كانت صغيرة جدًا، وبعيدة عن عمر الصديق، فالزبير بن العوام رضي الله عنه كان في الخامسة عشر من عمره، ومع ذلك لم يستقله أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأَسَرّ له بهذا السر الخطير، سِرّ دعوة الإسلام في بلد لا محالة ستحارب هذه الدعوة، في الخامسة عشر من عمره، هذا يعني أنه في سن ولد في الصف الثالث الإعدادي في زماننا، يعني الزبير بن العوام أخذ قرار الإسلام وتغيير الدين ومحاربة أهل مكة جميعًا وهو في الإعدادية، ويبدو أن تربيتنا لأطفالنا تحتاج إلى إعادة نظر، فكثير منا ينظر إلى ابنه في الجامعة، وبعدها على إنه صغير لا يتحمل مسئولية، ولا يأخذ قرارًا بمفرده، وطلحة بن عبيد الله كان أكبر من ذلك قليلًا، وكذلك سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه كان في السابعة عشر من عمره، وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه نحو ذلك أيضًا، وكان أكبرهم هو عثمان ن عفان، ويبلغ من العمر آنذاك حوالي الثامنة والعشرين.
إذن أبو بكر الصديق قبل الإسلام كان له علاقات طيبة مع كل طوائف مكة على اختلاف قبائلها، وعلى تفاوت أعمارها، وعندما فكر في تبليغ الدعوة بلغها للشباب من أهل مكة، وبالذات لأولئك الذين اشتهروا بالطهر والعفاف، وحسن السيرة، فكان لهم بمثابة الأستاذ لتلامذته، سمعوا له، واستجابوا، فكان خيرًا له ولهم، وللإسلام، والمسلمين، وهي إشارة لكل الدعاة أن يعطوا قدرًا أكبر وأعظم للشباب، فعلى أكتافهم تقوم الدعوات.
الملحوظة الثالثة:
أنه بعد أن أتى بهذا الرعيل الأول، وهذا المجهود الوافر، ما فتر حماسه، وما كلت عزيمته، ولكنه أسرع في الأيام التالية يأتي بغيرهم، أتى بأبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه أمين هذه الأمة، وهو من بني الحارث بن فهر، وكان يبلغ من العمر سبعة وعشرون عامًا، وجاء أيضًا بالصحابي الجليل عثمان بن مظعون وهو من بني جمح، ثم أتى بالأرقم بن أبي الأرقم وأبو سلمة بن عبد الأسد وهما من بني مخزوم، وما أدراك ما بنو مخزوم، هي قبيلة تتنازع لواء الشرف مع بني هاشم قوم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكيف أثر عليهما حتى يأتي بهما يدخلان في الإسلام تحت قيادة رجل من بني هاشم؟
هذا أمر لافت للنظر ولا شك، ومن الواضح الجلي أن الصديق رضي الله عنه كان قريبًا من قلوبهم إلى درجة أقرب من القبيلة والعنصرية والعصبية وحمية الجاهلية، وغير ذلك من الدوافع المنتشرة في ذلك الزمان، ومن الجدير بالذكر أن الأرقم بن أبي الأرقم رضي الله عنه والذي فتح بعد ذلك بقليل بيته للمسلمين، ولرسول الله صلى الله عليه وسلم يعقدون فيه لقاءاتهم ويتعلمون فيه دينهم بعيدًا عن عيون مكة، ومعرضًا نفسه لخطر عظيم وخطب جليل، جدير بالذكر أن هذا البطل المغوار والمغامر الجريء كان يبلغ من العمر ستة عشر عامًا فقط، ولا تعليق.
الملحوظة الرابعة:
أن ستة من الذين دعاهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه للإسلام من العشرة المبشرين بالجنة، وهم صفوة الصحابة وخير الأمة بعد نبيها محمد صلى الله عليه وسلم، والآخرون أيضًا من أهل الجنة إن شاء الله فهم من السابقين السابقين، وإن العقل ليعجز أن يتخيل حجم الثواب الذي حصله أبو بكر الصديق من جراء دعوته لهؤلاء وغيرهم، فكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه الإمام مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه:
مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا، وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْآثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا.
وكما قال أيضًا صلى الله عليه وسلم في حديث الإمام مسلم عن أبي مسعود عقبة بن عمرو الأنصاري:
مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ.
فتدبر يا عبد الله في أفعال العظماء الذين أتى بهم الصديق رضي الله عنه، تدبر في أعمال عثمان، والزبير، وطلحة، وسعد، وعبد الرحمن، وأبي عبيدة، والأرقم، وأبي سلمة، وعثمان بن مظعون، ثم سيأتي بعدهم آخرون أمثال بلال، وعامر بن فهيرة، وغيرهم، تدبر في ذلك، وأعلم أن أجور هؤلاء جميعًا، ومن هداهم الله على أيديهم، كل هذا في ميزان الصديق رضي الله عنه وأرضاه، حتى تعلم عظم الدعوة إلى الله، وشرف العمل الذي وكله الله للأنبياء ومن سار على نهجهم
[وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ المُسْلِمِينَ] {فصِّلت:33}.
تدبر في كل هذا، ثم تدبر في مجهوداتنا لهذا الدين، هذا الصديق أتى بهؤلاء، وحمل معه أجور هؤلاء، فمَن مِن البشر أتينا به إلى طريق الله، وكم من الأجور حملنا معنا في ميزاننا، سؤال لا بد أن نقف مع النفس وقفة لإجابة، ونسأل الله أن يسدد خطانا ويبصرنا بما يصلح ديننا ودنيانا وأخرتنا.
نعود إلى بطلنا الصديق رضي الله عنه، ونتساءل لماذا استجيب لدعوته بهذه السرعة؟ ولماذا أحبه قومه لهذه الدرجة؟
اسمع كلام طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه، وهو يصف أبا بكر الصديق، ولاحظ أن هذا الوصف قاله طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه يوم إسلامه، قال:
وكنت أعرف أبا بكر، فقد كان رجلًا سهلًا محببًا موطأ الأكناف. أي لين الجانب، فها هي صفة أولى نلاحظها في كلام طلحة رضي الله عنه، فالصديق كان سهلًا محببًا إلى القلوب، كان لينًا مع الناس رفيقًا بهم، كان حنونًا عطوفًا رحيمًا، ورجل بهذه الصفات لا بد أن يحبه الناس، وصدقت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت تصف المؤمن فتقول:
الْمُؤْمِنْ مُؤْلَفٌ وَلَا خَيْرٌ فِيمَنْ لَا يَأْلَفُ وَلَا يُؤْلَفُ.
روى ذلك الإمام أحمد عن أبي هريرة رضي الله عنه، وروى البخاري ومسلم عن السيدة عائشة بنت الصديق رضي الله عنها أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الْأَمْرِ كُلِّهِ.
ونكمل الاستماع إلى وصف طلحة رضي الله عنه لأبي بكر الصديق رضي الله عنه: وكان تاجرًا ذا خلق واستقامة.
وهنا أيضًا نلاحظ سمات لا بد أن تجذب القلوب لصاحبها، الصديق كان تاجرًا، وكان كثير الأموال، وكان رجلًا معطاءً، كثير العطاء، والناس بطبعها تحب مجالسة الرجل الذي ألف العطاء، وألف السخاء، وإن كانوا لا يريدون منه مالًا، فعلى الأقل هو لن يطلب منهم شيئًا، والناس أيضًا بطبعها تنفر من الذين يطلبون منهم شيئًا، ويستقرضونهم في كل مناسبة، ومن ثم فلا عجب أن أهل مكة كانوا يحبون مجلس الصديق رضي الله عنه، فوق ذلك يقول طلحة رضي الله عنه:
كان تاجرًا ذا خلق واستقامة.
والتجارة والمال الكثير كثيرا ما يغيران من نفوس الناس، وكثيرًا ما يغش التاجر في تجارته، ويدلس على زبائنه، وكثيرًا ما يحلف على بضاعته بالكذب ليزداد ربحًا، والتاجر المستقيم صاحب الخلق لا بد وأن يكون محبوبًا، ولا بد أن يكون مقربًا لقلوب الناس، وبالتبعية، فإن الله يعظم جدًا من أجر التاجر المستقيم، روى الترمذي والدارمي وقال الترمذي: حديث حسن. عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
التَّاجِرُ الصَّدُوقُ الْأَمِينُ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ.
فإذا كان التاجر الصدوق الأمين مع النبيين والصديقي فما بالك بالتاجر الصِّديق أبي بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه، ويكمل طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه كلامه عن الصديق فيقول:
وكنا نألفه، ونحب مجالسه؛ لعلمه بأخبار قريش، وحفظه لأنسابها. فها هي صفة جديدة تحبب الناس في الصديق، وكان لها أثرًا في استجابة الناس له، فالصديق كان عالمًا بالعلم الذي يفيد في زمانه، والعلم الذي يحتاجه أهل البلد، علم الأنساب كان رضي الله عنه أعلمهم بالنسب، وهذا أمر بالغ الأهمية في المجتمع المكي القديم، شهد له بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي روته بنت الصديق عائشة رضي الله عنها وجاء في صحيح مسلم أن أبا بكر أعلم قريش بأنسابها، وفوق علمه بالنسب، فهو كريم الخلق، فلم يطعن في نسب أحد مهما علم فيه من مثالب ومساوئ، وهذا يجعله، ولا شك محبوبًا للناس جميعًا، وهي رسالة إلى كل الدعاة أن عليهم أن يتعلموا العلم النافع الذي يصلح بيئتهم ومجتمعهم، وأن لا يتكبروا بعلمهم على الناس، فذلك- كما علمنا الصديق- الطريق إلى قلوب العباد.
الملحوظة الخامسة:
والصديق رضي الله عنه وأرضاه لم يكن حريصًا على أصدقائه ومعارفه على حساب أهل بيته، كثير من الدعاة ينفقون الساعات الطوال في دعوة الآخرين، ثم هم يقصرون تقصيرًا شديدًا في دعوة أهل بيتهم، مع أنهم سيسألون عنهم قبل الآخرين، روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال:سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ.
الصديق رضي الله عنه كان راعيًا في بيته، وكان مسئولًا عن رعيته رضي الله عنه، أدخل في الإسلام زوجته أم رومان رضي الله عنها، وزوجته أسماء بنت عميس رضي الله عنها، وأدخل أولاده عائشة، وأسماء، وعبد الله رضي الله عنهم أجمعين، ثم ما لبث أن أدخل أمه أيضًا في الإسلام بعد أن طلب من رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدعو لها بالهداية، وتأخر ابنه عبد الرحمن عن الإسلام كثيرًا فقد أسلم يوم حديبية، فشق ذلك على أبي بكر وكان له موقف عجيب معه سيأتي شرحه لاحقًا إن شاء الله، وتأخر إسلام أبيه أكثر من ذلك، لكن ما نسيه الصديق رضي الله عنه وأرضاه، حتى كان يوم فتح مكة، فأتى به رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أبو قحافة أبو أبي بكر الصديق رجلًا مسنًا طاعن في السن حتى قالوا كان رأسه ثغامة (والثغامة نبات أبيض يُشَبه به الشيب) فجاء به الصديق رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال الرسول الكريم المتواضع صلى الله عليه وسلم:
يَا أَبَا بَكْرٍ هَلَّا تَرَكْتَهُ حَتَّى نَأْتِيَهُ. فقال أبو بكر في أدب جم: هو أولى أن يأتيك يا رسول الله. فأسلم أبو قحافة وبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي رواية قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إِنَّا نَحْفَظُهُ لِأَيَادِي ابْنِهِ عِنْدَنَا.
وهكذا فعائلة الصديق كلها مسلمة، بل لم تجتمع الصحبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في أجيال أربعة متعاقبة في عائلة واحدة إلا في عائلة الصديق رضي الله عنه، فالجيل الأول هو جيل أبو قحافة وزوجته والدا الصديق رضي الله عنه، والجيل الثاني هو الصديق رضي الله عنه وزوجاته، والجيل الثالث أولاد الصديق أسماء وعائشة وعبد الله وعبد الرحمن، والجيل الرابع هم أحفاد الصديق ولهم صحبة مثل عبد الله الزبير بن العوام ابن السيدة أسماء رضي الله عنها، ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهم أجمعين، فهذه العائلة المباركة بارك الله فيها، وعمت بركتها على أمة المسلمين جميعًا.
سبقه في كل أعمال الخير
وكما رأينا سبقه رضي الله عنه وأرضاه في الإسلام والإيمان والدعوة، فإننا أيضًا نرى بوضوح سبقه رضي الله عنه في كل أعمال الخير، يروي لنا الإمام مسلم عن أبي هريرة، والبيهقي عن أنس والبزار عن عبد الرحمن بن أبي بكر حديثًا يوضح لنا مثالًا لمسارعة الصديق رضي الله عنه إلى الخير، نذكر هنا رواية البزار؛ لأن فيها توضيحًا أكثر للموقف، يقول عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما:
صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح، ثم أقبل على أصحابه بوجهه فقال: مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ صَائِمًا؟ فقال عمر: يا رسول الله، لم أحدث نفسي بالصوم البارحة، فأصبحت مفطرًا. فقال أبو بكر: ولكني حدثت نفسي بالصوم البارحة، فأصبحت صائمًا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هَلْ أَحَدٌ مَنْكُمُ الْيَوْمَ عَادَ مَرِيضًا؟ فقال عمر: يا رسول الله لم نبرح، فكيف نعود المريض؟ فقال أبو بكر: بلغني أن أخي عبد الرحمن بن عوف شاكٍ، فجعلت طريقي عليه؛ لأنظر كيف أصبح؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هَلْ مِنْكُمْ أَحَدٌ أَطْعَمَ مِسْكِينًا؟ فقال عمر: صلينا يا رسول الله، ثم لم نبرح؟ فقال أبو بكر: دخلت المسجد، فإذا بسائل، فوجدت كسرة من خبز الشعير في يد عبد الرحمن، فأخذتها، ودفعتها إليه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أَنْتَ فَأَبْشِرِ بِالْجَنَّةِ. ثم قال كلمة أرضى بها عمر، بل إن في رواية أبي هريرة في صحيح مسلم يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فوق هذا فيقول: فَمَنْ تَبِعَ مِنْكُمُ الْيَوْمَ جَنَازَةً؟ فقال أبو بكر: أنا. وفي نهاية الحديث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَا اجْتَمَعْنَ فِي امْرِئٍ إِلَّا دَخَلَ الْجَنَّةَ.
حقًا، من العسير والله أن تحصر مواقف السبق في حياة الصديق رضي الله عنه وأرضاه فالسبق في حياته يشمل كل حياته، يلخص هذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه في الحديث الذي رواه أبو داود، والترمذي، وقال الترمذي: حديث حسن صحيح. يقول عمر:
أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتصدق فوافق ذلك مالًا عندي، قلت: اليوم أسبق أبا بكر، إن سبقته يومًا. فجئت بنصف مالي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ؟ قلت: مثله. وأتى أبو بكر بكل ما عنده، فقال: يَا أَبَا بَكْرٍ مَا أَبْقَيْتَ لِأَهْلِكَ؟ قال: أبقيت لهم الله ورسوله. فقلتُ - أي عمر - : لا أسبقه في شيء أبدًا.
فى الحلقة القادمة بإذن الله سنتحدث عن جانب من الجوانب الاخرى التى ميزت أبى بكر الصديق رضى الله عنه فانتظرونا
دمتم فى حفظ الله يتبع
| |
|
| |
جنة الله الشخصيات الهامة
عدد المساهمات : 1248 تاريخ التسجيل : 18/07/2009 العمر : 36
| موضوع: رد: مع الصحابة الجمعة أغسطس 13, 2010 11:37 pm | |
| | |
|
| |
جنة الله الشخصيات الهامة
عدد المساهمات : 1248 تاريخ التسجيل : 18/07/2009 العمر : 36
| موضوع: رد: مع الصحابة الأربعاء أغسطس 18, 2010 5:54 am | |
| الحلقة الثامنة من سيرة سيدنا أبو بكر الصديق رضى الله عنهسنتحدث اليوم أخواتى وإخوانى الكرام عن أحد الجوانب التى تميز بها سيدنا أبو بكر الصديق رضى الله عنه .خامسا : نعمة الثبات
لما علم الله عز وجل من الصديق إيمانًا عميقًا في قلبه، ويقينًا صادقًا في عقله، وعملًا صالحًا في كل جوارحه، لما رأى منه حبًا جارفًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم قاد إلى تصديق كامل، واتباع دقيق، لما اطلع على قلبه فوجده رقيقًا حانيًا عطوفًا، ووجد خلقه حسنًا رفيعًا عاليًا، لما علم منه سبقًا إلى الخيرات، ومسارعة إلى الحسنات وحسمًا وعزمًا في كل أمور حياته، لما رأى منه عطاءً ثم عطاء، لما رأى منه كل ذلك وغيره، أنعم عليه بنعمة عظيمة وهِبة جليلة، أنعم عليه بنعمة الثبات على كل ما سبق من خير، الثبات على الإيمان، وعلى الإسلام، الثبات على الطاعة وحسن الخلق، الثبات على العطاء، الثبات أمام الفتن، كل الفتن صغيرة كانت أو كبيرة، دقيقة كانت أم عظيمة، خفية كانت أم ظاهرة. والثبات شيء صعب وعسير، الإنسان قد ينشط في فترة من الفترات، ولكنه سرعان ما يفتر، قد يقوى في زمان، لكنه يضعف في أزمان، روى الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو بن العاصي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
إِنَّ لِكُلِّ عَمَلٍ شِرَّةً، وَلِكُلِّ شِرَّةٍ فَتْرَةٌ، فَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى سُنَّتِي فَقَدْ أَفْلَحَ، وَمَنْ كَانَتْ فَتْرَتُهُ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ، فَقَدْ هَلَكَ.
ولكن العجيب في حياة الصديق رضي الله عنه أن ترى ثباتًا في كل الفضائل، وفي كل المواقف منذ أسلم، وحتى مات، مهما تغيرت الظروف والأحوال، والثبات فعلًا شيء عسير، الدنيا من طبيعتها التقلب، من النادر أن تجد فيها شيئًا ثابتًا، كما قالوا قديمًا: دوام الحال من المحال، يقول سبحانه:
[يُقَلِّبُ اللهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الأَبْصَارِ] {النور:44} .
ويقول:
[وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ] {آل عمران:140} .
ويقول:
[يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ البَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ العُمُرِ لِكَيْلَا يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا المَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ] {الحج:5} .
هكذا الإنسان دائمًا في تقلب، والأرض كذلك دائمًا في تقلب، والقلب أيضًا كذلك، كثير التقلب، بل قيل: إن القلب سمي قلبًا؛ لأنه سريع التقلب.
روى الترمذي عن أنس رضي الله عنه قال:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول:
يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكِ.
فقلت:
يا رسول الله، آمنا بك، وبما جئت به، فهل تخاف علينا؟
قال: نَعَمْ، إِنَّ الْقُلُوبَ بَيْنِ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ، يُقَلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ.
وفي رواية لمسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:
إِنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كُلَّهَا بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ، كَقَلْبٍ وَاحِدٍ يُصَرِّفُهُ حَيْثُ يَشَاءُ.
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
يَا مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ، صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ.
ويزداد الأمر صعوبة على القلب بتغير الظروف من حوله، فقلب قد يثبت على حاله من الغنى، فإذا افتقر الإنسان فتن، وقلب قد يثبت على حاله من الفقر، فإذا اغتنى الإنسان فتن، قد يثبت في بلد، ويفتن في آخر، قد يثبت في عمل، ويفتن في آخر، قد يثبت في سن، ويفتن في سن آخر، بل قد يثبت في نهار، ويفتن في ليل، بل قد يثبت لحظة، ويفتن في لحظة تالية، والإنسان في هذه الدنيا ليس متروكًا في حاله، كثير من الأعداء تناوشه وتهاجمه، الشيطان لا يهدأ ولا يستكين
[ثُمَّ لَآَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ] {الأعراف:17} .
فالدنيا مجموعة متراكمة من الفتن
[يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللهِ الغَرُورُ] {فاطر:5} .
فنفس الإنسان تُغير كثيرًا من قلبه
[إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي] {يوسف:53}.
وشياطين الإنس أحيانًا ما يكونون أشد ضراوة من شياطين الجن، وبين كل هذه المتقلبات يعيش القلب، فكيف لا يتقلب؟ وهو القلب المشهور بالتقلب، والقلب إن كان ضعيف الإيمان فتقلبه خطير
[وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآَخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الخُسْرَانُ المُبِينُ] {الحج:11} .
والنجاة من التقلب عسيرة إلا إذا مَنّ الله بها على عبده، والله لا يَمُنّ بالثبات على عبد خامل كسلان، بل لا بد أن يقدم شيئًا، اسمع إلى قوله عز وجل:
[لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ] {النور:63} .
إذن اتباع الرسول صلى الله عليه وسلم اتباعًا لصيقًا دقيقًا يقي الإنسان شر الفتن، أو قل: يجعل الإنسان أهلًا أن يَمُنّ الله عليه بنعمة الثبات، جميع الخلق بلا استثناء لا يثبتون بغير تثبيت الله لهم، اقرأ إن شئت كلام الله سبحانه، في حق رسول الله صلى الله عليه وسلم:
[وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا] {الإسراء:74} .
واقرأ معي قوله تعالى:
[يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا بِالقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآَخِرَةِ وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللهُ مَا يَشَاءُ] {إبراهيم:27} .
وأكثر المسلمين اتباعًا لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه، وأكثر المسلمين تلقيًا لتثبيـت الله بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه أيضًا، حياته عجيبة رضي الله عنه وأرضاه، كم من الفتن عرض عليه، وكم من الثبات قدم رضي الله عنه، روى الترمذي وغيره حديثًا وقال: حديث حسن. يفسر لنا هذه الفتن الكثيرة التي عرضت للصديق رضي الله عنه في حياته، عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، أي الناس أشد بلاءً؟ قال: الْأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ الْأَمْثَلُ، فَالْأَمْثَلُ، فَيُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَإِنْ كَانَ دِينُهُ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلَاؤُهُ، وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ، فَمَا يَبْرَحُ الْبَلَاءُ بِالْعَبْدِ، حَتَّى يُتْرُكُهُ يَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ مَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ. ولكون الصديق هو الأمثل في الإيمان، بعد الأنبياء، فإن ابتلاءه كان شديدًا. ولنتجول في حياة الصديق رضي الله عنه، نتعرف على طرف من ابتلائه وطرف من ثباته.
ثباته أمام فتنة المال
وقصدت أن أبدأ بها؛ لأنها فتنة عظيمة، وكثير من المؤمنين يثبتون أمام فتن شتى، فإذا جاءوا إلى فتنة المال، وقعوا فيها، ويقول أحد الصحابة:
ابتلينا بالضراء، فصبرنا، وابتلينا بالسراء، فلم نصبر.
حتى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الذي رواه الترمذي وقال: حسن صحيح، وكذلك رواه الإمام أحمد عن كعب بن عياض رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
إِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ فِتْنَةً، وَفِتْنَةُ أُمَّتِي الْمَالُ.
وإن كان هناك بشر لا يهتز أمام المال غير الأنبياء، فهو أبو بكر الصديق رضي الله عنه، لقد شاهدنا كثيرًا من المتقين، وشاهدنا كثيرًا من الزاهدين في الدنيا، وسمعنا عن أمثلة عظيمة، ومواقف مشهودة، لكننا لم نسمع عن رجل اعتاد أن ينفق كل ماله في سبيل الله، لا يُبقي لأهله، ولنفسه شيئًا، ليس مرة أو مرتين يفعلها، ولكنه اعتاد الثبات على ذلك، ونحن تحدثنا من قبل عن إنفاقه رضي الله عنه في الدعوة في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم سواء في فترة مكة، أو المدينة، وذكرنا تقدير رسول الله لذلك، لكن نذكر هنا طرفًا سريعًا من ثباته أمام فتنة المال بعد أن تولى الخلافة:
- فها هو الصديق بعد أن أنفق ماله كله، يمتلك مقاليد الحكم في المدينة، ويضع يده على بيت المال، وها هي القبائل المرتدة تعود إلى الإسلام بعد عام من القتال المستديم، فيأتي خراجها، وتأتي صدقاتها، ويمتلأ بيت المال، ثم ها هي فارس تفتح، والشام كذلك تفتح، وتأتي الغنائم وفيرة، والكنوز عظيمة، فماذا فعل الصديق رضي الله عنه؟
ما تغير قدر أنملة، وما فتن بالدنيا لحظة، ليس الصديق الذي يتبدل، لقد أعطى الدنيا حجمها، وزهد فيها، وأعطى الآخرة حجمها كذلك فعمل لها، فقد سمع من حبيبه وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم حديثًا وضح فيه حجم الدنيا مقارنة بالآخرة، وهو الحديث الذي رواه الإمام مسلم عن المستورد بن شداد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
وَاللَّهِ مَا الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مِثْلُ مَا يَجْعَلُ أَحَدُكُمْ إِصْبَعُهُ هَذِهِ فِي الْيَمِّ، فَلْيَنْظُرْ بِمَ تَرْجِعُ. يعني التي تلي الإبهام.
ما غاب عن ذهنه أبدًا هذا المقياس، ومن أجل هذا لم يفتن بالدنيا لحظة، لقد سمع وصية من معلمه ومعلمنا، ومرشده ومرشدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوضعها نصب عينيه، روى مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
إِنَّ الدُّنْيَا حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ، وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا، فَيَنْظُرُ كَيْفَ تَعْمَلُونَ، فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ.
- أصبح الصديق ذات يوم بعد أن ولي الخلافة، وعلى يده أبراد (والبُرد هو الثوب المخطط) فكان يحمل هذه الأبراد متجهًا إلى السوق؛ ليتاجر كعادته، حتى بعد أن أصبح خليفة، فلقيه عمر بن الخطاب، فسأله:
أين تريد؟
قال:إلى السوق.
قال عمر: تصنع ماذا؟ وقد وليت أمر المسلمين.
قال: فمن أين أطعم عيالي؟
ولنتأمل، يده على بيت المال بكامله، ويتساءل هذا السؤال! فأشار عليه أن يذهبا إلى أبي عبيدة أمين بيت المال، ليفرض له قوته وقوت عياله، فذهبا إليه، ففرض له، إلى هذه الشفافية في الضمير، والأمانة في اليد، والنقاء في النفس وصل الصديق رضي الله عنه، ينزل إلى السوق، وهو خليفة كي يتاجر حتى يطعم عياله، وطبعًا عف الصديق، فعفت الرعية، لم نسمع عن وزير من وزراء، أو مستشار من مستشاريه هرّب أمواله إلى بنوك فارس والروم. - وانظروا إلى الصديق، وهو على فراش الموت، بعد رحلة طويلة من الجهاد المضني، انظروا إليه كيف يقول وهو رأس الدولة التي دكت حصون فارس والروم، يقول مخاطبًا عائشة رضي الله عنها:
أما إنا منذ ولينا أمر المسلمين، لم نأكل لهم دينارًا، ولا درهمًا، ولكنا قد أكلنا من جريش طعامهم (يقصد الطعام البسيط) في بطوننا، ولبسنا من خشن ثيابهم على ظهورنا، وليس عندنا من فيء المسلمين قليل ولا كثير، إلا هذا العبد الحبشي، وهذا البعير الناضب، وهذه القطيفة (كساء في بيته رضي لله عنه)، فإذا مت فابعثي بهن (العبد الحبشي، والبعير الناضب، والقطيفة) إلى عمر وابرأي منهن.
تقول السيدة عائشة: ففعلت.
فلما جاء الرجل الذي أرسلته السيدة عائشة إلى عمر، بكى حتى جعلت دموعه تسيل في الأرض، ويقول:
رحم الله أبا بكر، لقد أتعب مَن بعده، رحم الله أبا بكر، لقد أتعب من بعده، رحم الله أبا بكر لقد أتعب من بعده.
وجاء في رواية أخرى موقفًا آخر له عند الوفاة يصور مدى عفته وثباته، إذ قال: إن عمر لم يدعني حتى أصبت من بيت المال ستة آلاف درهم وإن حائطي الذي بمكان كذا وكذا فيها.
يقصد أن عمر قد أرغمه على تقاضي أجر من بيت مال المسلمين، يرى الصديق أنه كان كبيرًا، مع أنه لم يكن يكفي إلا الكفاف، كما ثبت في روايات أخرى، فالآن سيتبرع لبيت المال بحائط له في مقابل هذا المال.
فلما توفي الصديق ذُكِر ذلك لعمر فقال:
رحم الله أبا بكر، لقد أحب أن لا يدع لأحد بعده مقالًا.
هذا طرف من ثباته أمام فتنة المال
ثباته أمام فتنة الرئاسة والمنصب
فتنة الرئاسة فتنة عظيمة، وابتلاء كبير، وكثير من الناس يعيش حياة التواضع، فإذا صعد على منبر الحكم تغير، وتبدل، وتكبر، فتنة عظيمة، وانظر إلى الحسن البصري يقول في كلمة عظيمة له:
وآخر ما يُنزع من قلوب الصالحين، حب الرئاسة.
أما الصديق رضي الله عنه، فإنه قد نزع منه حب الرئاسة منذ البداية، كان يعيش قدرًا معينًا من التواضع قبل الخلافة، وهذا القدر تضاعف أضعافًا مضاعفة بعد الخلافة، ولعلنا لا نبالغ إن قلنا:
إن أعظم خلفاء الأرض تواضعًا بعد الأنبياء كان الصديق رضي الله عنه. والله لقد فعل أشياء يحار العقل كيف لبشر أن يتواضع إلى هذه الدرجة؟ ولولا اليقين في بشريته لكانت شبيهة بأفعال الملائكة، هو قد سمع من حديث حبيبه صلى الله عليه وسلم الحديث الذي رواه مسلم عن أبي يعلى معقل بن يسار رضي الله عنه: مَا مِنْ أَمِيرٍ يَلِي أُمُورَ الْمُسْلِمِينَ، ثُمَّ لَا يَجْهَدُ لَهُمْ وَيَنْصَحُ لَهُمْ إِلَّا لَمْ يَدْخُلْ مَعَهُمُ الْجَنَّةَ.
والصديق جهد للمسلمين ونصح للمسلمين كأفضل ما يكون الجهد والنصح، ولذا فهو ليس فقط يدخل الجنة معهم، بل يسبقهم إليها، كيف يتكبر الصديق، وهو الذي كان حريصًا طيلة حياته على نفي كل مظاهر الكبر، والخيلاء من شخصيته، وكان يتحرى ذلك حتى في ظاهره، يروي البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: مَنْ جَرَّ ثَوْبَهُ خُيَلَاءَ لَمْ يَنْظُرِ اللَّهُ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
وقعت الكلمات في قلب أبي بكر، وتحركت النفس المتواضعة تطمئن على تواضعها، أسرع الصديق رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله، إن إزاري يسترخي إلا أن تعاهده.
أشعر أنه قالها، وهو يرتجف، ويخشى من حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم أثلج صدره وطمأنه، ووضح له متى يكون استرخاء الإزار منهيًا عنه، قال:
إِنَّكَ لَسْتَ مِمَّنْ يَفْعَلُهُ خُيَلَاءَ.
شهادة من سيد الخلق، وممن لا ينطق عن الهوى، إن الصديق لا يفعل ذلك خيلاء، وكان من الممكن أن يقول له إنك لست متعمدًا للإسبال، لكنه يخرج من كل هذا إلى الحقيقة المجردة، تواضع الصديق رضي الله عنه.
وإلى مواقف من حياة الصديق كخليفة ورئيس وحاكم.
ذكرنا بعض المواقف له في السابق، ذكرنا موقفه مع أسامة بن زيد رضي الله عنهما، قبل ذلك وهو يودعه إلى حرب الروم في الشمال، والآن نذكر بعض مواقفه الأخرى:
- موقف عجيب من مواقف الخليفة الرئيس أبي بكر الصديق رضي الله عنه، كان الصديق رضي الله عنه يقيم بالسنح على مقربة من المدينة، فتعود أن يحلب للضعفاء أغنامهم كرمًا منه، وذلك أيام الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان هو الوزير الأول لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فسمع جارية تقول بعد مبايعته بالخلافة:
اليوم لا تحلب لنا منائح دارنا.
فسمعها الصديق رضي الله عنه فقال:
بلى، لعمري لأحلبنها لكم.
فكان يحلبها، وربما سأل صاحبتها:
يا جارية أتجدين أن أرغي لك أو أصرح؟
أي يجعل اللبن برغوة، أم بدون رغوة، فربما قالت: أرغ. وربما قالت: صرّح. فأي ذلك قالته فعل.
- موقف آخر أغرب، كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يتعهد عجوزًا كبيرة عمياء في بعض حواش المدينة من الليل، فيسقي لها، ويقوم بأمرها، فكان إذا جاءها وجد غيره قد سبقه إليها، فأصلح لها ما أرادت، فجاءها غير مرة كيلا يسبق إليها، فرصده عمر، فإذا هو بأبي بكر الذي يأتيها، وهو يومئذ خليفة فقال عمر:
أنت هو لعمري.
وكان من الممكن أن يكلف رجلا للقيام بذلك، ولكنه الصديق، يشعر بالمسئولية تجاه كل فرد من أفراد الأمة، كما أنه رضي الله عنه قد آثر أن يخدمها بنفسه، يربي نفسه على التواضع لله عز وجل، ويربي نفسه على ألا يتكبر حتى على العجوز الكبيرة العمياء.
- أخرج البيهقي عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما، أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قام يوم الجمعة فقال:
إذا كان بالغداة فاحضروا صدقات الإبل نقسم، ولا يدخل علينا أحد إلا بإذن. صدقات الإبل كانت قد جاءت كثيرة إلى أبي بكر الصديق، فوضعوها في مكان، وسيدخل في اليوم التالي أبو بكر، وعمر رضي الله عنهما، ليقسما هذه الصدقات، فسيدنا أبو بكر يحذر الناس، فقالت امرأة لزوجها:
خذ هذا الحظام لعل الله يرزقنا جملًا.
فأتى الرجل فوجد أبا بكر وعمر قد دخلا إلى الإبل، فدخل معهما، هنا الرجل ارتكب مخالفة واضحة لخليفة البلاد، ودخل عليه بغير إذن، مع كونه نبه على ذلك، فالتفت إليه أبو بكر فقال:
ما أدخلك علينا؟
ثم أخذ منه الحظام، فضربه، فلما فرغ أبو بكر من قسمة الإبل دعا الرجل، فأعطاه الحظام، وقال:
استقد.
أي اقتص مني، كما ضربتك اضربني، سبحان الله، فقال عمر رضي الله عنه: والله لا يستقيد، لا تجعلها سنة.
يعني كلما أخطأ خليفة في حق واحد من الرعية، قام المظلوم بضرب الأمير فتضيع هيبته، فقال الصديق رضي الله عنه:
فمن لي من الله يوم القيامة؟
فقال عمر: أَرْضِهِ.
فأمر أبو بكر غلامه أن يأتيه براحلة، ورحلها وقطيفة (أي كساء)، وخمسة دنانير، فأرضاه بها.
هذا خليفة البلاد، وقد ضرب أحد رعاياه ضربة واحدة فقط، ولكنه يريد أن يُضْرب مكان هذا السوط الذي ضرب، حتى يقف أمام الله عز وجل يوم القيامة خالصًا، ليس لأحد عنده شيء.
- بل اقرأ وصيته إلى جيوشه، وهي تخرج لحرب الروم، في بعث أسامة بن زيد، ثم بعد ذلك إلى فتح فارس، ثم إلى فتح الروم، كان يوصيها بوصايا عجيبة، وكأنه يوصي بأصدقاء، وليس بأعداء، كان يوصيهم بالرحمة حتى في حربهم كان مما قال لهم: لا تخونوا، ولا تغلوا، ولا تغدروا، ولا تُمثّلوا، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحوا شاة، ولا بقرة، ولا بعيرًا، إلا لمأكلة، وسوف تمرون بأقوام قد فرغوا أنفسهم في الصوامع، فدعوهم، وما فرغوا أنفسهم له.
وتأملوا معي يا إخوتى، أيوصي بأحباب أم يوصي بأعداء؟!
والله ما عرف التاريخ مثل حضارة الإسلام، ورقي الإسلام، ونور الإسلام، ولكن أكثر الناس لا يعلمون، أين هذا من حروب الشرق والغرب؟
أين هذا من حروب غير المسلمين؟
فالمسلمون قد علّموا غيرهم الرحمة في كل شيء حتى في الحرب.
ثباته أمام فتنة الأولاد
فالمرء قد يقبل أن يضحي تضحيات كثيرة، إذا كان الأمر يخصه هو شخصيًا، ولكن إذا ارتبط الأمر بأولاده، فإنه قد يتردد كثيرًا، فغالبًا ما يحب الرجل أولاده أكثر من نفسه، كما أن ضعف الأولاد، ورقتهم، واعتمادهم على الأبوين، يعطي مسوغات قد يظنها الرجل شرعية للتخلف عن الجهاد بالنفس والمال، واقرأ قول الله عز وجل:
[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ] {التغابن:14} .
روى الترمذي، وقال: حسن صحيح. أن رجلًا سأل ابن عباس رضي الله عنهما عن هذه الآية قال:
هؤلاء رجال أسلموا من أهل مكة، وأرادوا أن يأتوا النبي صلى الله عليه وسلم، فأبى أزواجهم، وأولادهم أن يدعوهم أن يأتوا النبي صلى الله عليه وسلم، فلما أتوا النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك، رأوا الناس قد فقهوا في الدين، هموا أن يعاقبوهم (أي يعاقبوا أولادهم)، فأنزل الله:
[يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ] {التغابن:14} .
الآية التالية مباشرة لهذه الآية في سورة التغابن تقول:
[إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ] {التغابن:15} .
هكذا بهذا التصريح، التقرير الواضح: إنما أموالكم وأولادكم فتنة.
أين أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه من هذه الآيات؟
القضية كانت في منتهى الوضوح في نظر الصديق رضي الله عنه، وأوراقه كانت مرتبة تمامًا، الدعوة إلى الله، والجهاد في سبيله، ونصرة رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدمة على كل شيء، والصديق مع رقة قلبه، وعاطفته الجياشة، ومع تمام رأفته مع أولاده، كان لا يقدم أحدًا منهم، مهما تغيرت الظروف على دعوته، وجهاده، وما فتن بهم لحظة.
- أعلن الدعوة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة، ودافع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى كاد أن يقتل، ولم يفكر أنه إذا مات سوف يخلف وراءه صغارًا ضعافًا، محتاجين في وسط الكفار المتربصين، كان يجاهد، ويعلم أنه إذا أراد الحماية للذرية الضعيفة أن يتقي الله عز وجل، وأن ينطلق بكلمة الدعوة، وكلمة الحق أيًا كانت العوائق
[وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا] {النساء:9} .
- لما هاجر الصديق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبكي من الفرح، لأنه سيصحب رسول الله صلى الله عليه وسلم في طريق مليء بالمخاطر، مخلفًا وراءه ذرية في غاية الضعف، ويعلم أن قريشًا ستهجم على بيته لا محالة، وقد حدث، وضرب أبو جهل لعنه الله أسماء بنت الصديق رضي الله عنهما، فسال الدم منها، ما رأى الصديق كل ذلك، كل ما رآه هو نصرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وطريق الله عز وجل، ليس هذا فقط ولكنه حمل معه كل أمواله، كل ما تبقى بعد الإنفاق العظيم، خمسة آلاف درهم حملها جميعًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم،
وماذا ترك لأهله؟
ترك لهم الله ورسوله، يقين عجيب، وثبات يقرب من ثبات الأنبياء، أبو قحافة والد الصديق رضي الله عنه كان طاعنًا في السن وقت الهجرة، وكان قد ذهب بصره، دخل على أولاد الصديق، وهو على وَجَل من أن الصديق قد أخذ كل ماله، وترك أولاده هكذا، لكن الابنة الواعية الواثقة المطمئنة بنت الصديق أسماء رضي الله عنها، وعن أبيها، وضعت يد الشيخ على كيس مملوء بالأحجار توهمه أنه مال، فسكن الشيخ لذلك، الشيخ الكبير لن يفهم هذه التضحيات، ولن يفهمها أحد إلا من كان على يقين يقارب يقين الصديق رضي الله عنه.
- الصديق يوظف أولاده في عملية خطيرة، عملية التمويه على الهجرة، عملية قد تودي بحياتهم في وقت اشتاط الغضب بقريش، حتى أذهب عقلها، عبد الله بن الصديق كان يتحسس الأخبار في مكة نهارًا، ثم يذهب ليلًا إلى غار ثور يخبر الرسول صلى الله عليه وسلم وأباه بما يحدث في مكة، ويظل حارسًا على باب الغار حتى النهار، ثم يعود أدراجه إلى مكة، السيدة أسماء كانت حاملًا في الشهور الأخيرة من حملها، ومع ذلك، فكان عليها أن تحمل الطعام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر الصديق في غار ثور سالكة طريقًا وعرًا، وصاعدة جبلًا صعبًا، وذلك حتى إذا رآها أحد لا يتخيل أن المرآة الحامل تحمل زادًا إلى الرسول وصاحبه، مهمة خطيرة، وحياتها في خطر، لكن ما أهون الحياة إن كان الله هو المطلب، وإن كانت الجنة هي السلعة المشتراة.
- ومر بنا كيف تبرع بكل ماله في تبوك، وما ترك شيئًا لأولاده رضي الله عنه، وأرضاه، فلما سأله رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ماذا أبقى لأهله؟ قال: أبقيت لهم الله ورسوله.
- ثم ها هو الصديق يقدم فلذة كبده عبد الله بن أبي بكر رضي الله عنهما، ها هو يقدمه شهيدًا في سبيل الله، علمه حب الجهاد، وحب الموت في سبيل الله، فأصيب في الطائف بسهم، ولم يمت في ساعتها، بل بقى أيامًا وشهورًا، ويقال: إنه خرج بعد ذلك إلى اليمامة في حروب المرتدين، واستشهد هناك. الثابت أنه استشهد في خلافة الصديق رضي الله عنه، وكأن الله أراد أن ينوع عليه الابتلاءات حتى يُنقى تمامًا من أي خطيئة، بل إنه قال كلمة عجيبة لما رأى قاتل ابنه عبد الله وكان قد أسلم بعد أن قتله قال:
الحمد لله الذي أكرمه بيديك (يعني أكرمه الشهادة) ولم يُهْلِكّ بيده (أي الموت كافرًا) فإنه أوسع لكما.
سعيد لأن ابنه قد مات شهيدًا في سبيل الله، وأيضًا لأن هذا الرجل لم يقتل على يد عبد الله، فكانت أمامه فرصة للإسلام، أي رجل هذا؟!
- لكن إن كان لنا أن نفهم كل هذه التضحيات، فإن له موقفًا مع ولد من أولاده يتجاوز كل حدود التضحيات المعروفة، والمألوفة لدى عامة البشر، الصديق رضي الله عنه في غزوة بدر يكون في فريق، فريق المؤمنين، وابنه البكر عبد الرحمن بن أبي بكر في الفريق الآخر، فريق المشركين، ولم يكن قد أسلم بعد، وإذا بالصديق رضي الله عنه يبحث عن فلذة كبده، وثمرة فؤاده؛ ليقتله، نعم ليقتله!
وقف كفر الابن حاجزًا بين الحب الفطري له، وبين حب الله عز وجل، فقدم الصديق حب الله عز وجل دون تردد، ولا تفكير، وضوح الرؤية، نعم وضوح الرؤية إلى هذه الدرجة، لكن بفضل الله لم يوفق الصديق في أن يجد ابنه؛ لأن الله مَنّ عليه بعد ذلك بالإسلام، أسلم يوم الحديبية، ولما أسلم قال لأبيه:
لقد أهدفت لي يوم بدر، فملت عنك، ولم أقتلك.
أي رأيتك هدفًا سهلًا في بدر، وكان عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنه من أمهر الرماة في فريق المشركين، فقال أبو بكر في ثبات وثقة:
ولكنك لو أهدفت إليّ، لم أمل عنك.
وسبحان الله، وكأن الله أراد أن يشبه أبا بكر بإبراهيم عليه الصلاة والسلام أكثر وأكثر، فقد ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم إبراهيم مثلًا للصديق بعد تخيير الحكم في أسارى بدر، أراد الله أن يشبه أبا بكر بالخليل إبراهيم عليه الصلاة والسلام، الذي ابتلي البلاء المبين بذبح ابنه، فيبتلي الصديق كذلك بالبحث عن ابنه ليذبحه بيده، أيّ مثل رائع ضربه الصديق لهذه الأمة؟!
كيف تغلّب على هذا المعوق الخطير الذي كثيرًا ما خلف أناسًا عن السير في طريق الدعوة، وعن السير في طريق الجهاد؟
فى الحلقة القادمة بإذن الله سنستكمل حديثنا عن نعمة الثبات التى ميزت سيدنا أبى بكر الصديق رضى الله عنه فانتظرونا
دمتم فى حفظ الله يتبع | |
|
| |
الماجيكو عضو جديد
عدد المساهمات : 12 تاريخ التسجيل : 31/07/2010 العمر : 42 المزاج : دايما الحمد لله
| موضوع: رد: مع الصحابة الأربعاء أغسطس 18, 2010 10:44 am | |
| سلمت يداكى اختى جنة على هذا الموضوع الرائع لانك تتحدثين فيه عن ابو بكر الصديق رضى اله تعالى عنه وارضاه هذا الصحابى الجليل الذى كان اليفا, ودودا ,متواضعا ,يبغض الخيلاء والكثير والكثير من الصفات التى اتصف بها جزاكى الله الف خير وعسى ان تكون لك بميزان حسناتك يوم القيامه دمتى بحفظ الله ورعايته وتقبلى مرورى[center] | |
|
| |
جنة الله الشخصيات الهامة
عدد المساهمات : 1248 تاريخ التسجيل : 18/07/2009 العمر : 36
| موضوع: رد: مع الصحابة الجمعة أغسطس 20, 2010 11:58 pm | |
| جزانا الله واياك خيرا يااخى شكرا لمرورك الكريم وردك الأكرم تقبل تحياتى | |
|
| |
جنة الله الشخصيات الهامة
عدد المساهمات : 1248 تاريخ التسجيل : 18/07/2009 العمر : 36
| موضوع: رد: مع الصحابة السبت أغسطس 21, 2010 12:34 am | |
| | |
|
| |
جنة الله الشخصيات الهامة
عدد المساهمات : 1248 تاريخ التسجيل : 18/07/2009 العمر : 36
| موضوع: رد: مع الصحابة الأحد أغسطس 22, 2010 12:34 am | |
| | |
|
| |
جنة الله الشخصيات الهامة
عدد المساهمات : 1248 تاريخ التسجيل : 18/07/2009 العمر : 36
| موضوع: رد: مع الصحابة الثلاثاء سبتمبر 07, 2010 12:06 am | |
| أخواتى وإخوانى الكرام سنتحدث اليوم عن واحد من خيرة صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم هو ثاني الخلفاء الراشدين ، لقب ب "الفاروق"، وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة ، ومن علماء الصحابة وزهّادهم. ويعد أوّل من عمل بالتقويم الهجري . في عهده فتحت العراق ومصر وليبيا والشام وفلسطين، وصارت القدس تحت ظل الدولة الإسلامية والمسجد الأقصى ثالث الحرمين الشريفين تحت حكم المسلمين لأول مرة. وفي عهده قضى على أكبر قوتين عظمى في زمانه؛ دولة الروم ودولة الفرس. هذا الصحابى الجليل هو سيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه .
الحلقة الأولى من سيرة سيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه
نسبه
هو عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. وهو عمّ زيد بن عمرو بن نفيل الموحد على دين إبراهيم.
أمه حنتمة بنت هشام بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. وهي ابنة عمّ كلاًّ من أم المؤمنين أم سلمة والصحابي خالد بن الوليد. كما تعتبر أمه ابنة عم أبي جهل . يجتمع نسبها مع سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في كلاب بن مرة .
لقبه "الفاروق" وكنيته "أبو حفص"، ويرجع سبب إطلاق المسلمين السنة لقب "الفاروق" على عمر ابن الخطاب، لأنه حسب الروايات أنه أظهر الإسلام في مكة المكرمة وكان الناس يخافونه، فيعتبرون أن فرق الله به بين الكفر والإيمان وإن كان الشيعة يرون أن من لقب بـ "الفاروق" من قبل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هو علي بن أبي طالب . وكان منزل عمر في الجاهلية في أصل الجبل الذي يقال له اليوم جبل عمر، وكان اسم الجبل في الجاهلية العاقر، وكان عمر من أشراف قريش ، وإليه كانت السفارة فهو سفير قريش، فإن وقعت حرب بين قريش وغيرهم بعثوه سفيراً .
مولده ونشأته
ولد بعدعام الفيل وبعد مولد الرسول صلى الله عليه وسلم بثلاث عشرة سنة . نشأ في قريش وامتاز عن معظمهم بتعلم القراءة. عمل راعياً للإبل وهو صغير وكان والده غليظاً في معاملته . وكان يرعى لوالده ولخالات له من بني مخزوم. وتعلم المصارعة وركوب الخيل والفروسية، والشعر. وكان يحضر أسواق العرب وسوق عكاظ ومجنة وذي المجاز، فتعلم بها التجارة ، وأصبح يشتغل بالتجارة، فربح منها وأصبح من أغنياء مكة، ورحل صيفاً إلى بلاد الشام وإلى اليمن في الشتاء، واشتهر بالعدل .
عائلة سيدنا عمر رضى الله عنه
ذرية عمر بن الخطاب رضى الله عنه وزوجاته تزوج وطلق ما مجموعه سبع نساء في الجاهلية والإسلام وله ثلاثة عشر ولدا ، وهن:
زوجاته قبل الإسلام :
• قريبة بنت أبي أمية بن المغيرة بن مخزوم، أخت أم المؤمنين أم سلمة ، بقيت قريبة على شركها، وقد تزوجها عمر في الجاهلية، فلما أسلم عمر بقيت هي على شركها زوجة له، حتى نزل قوله تعالى : ( ولا تُمَسِّكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ )[ الممتحنة - 10 ]. بعد صلح الحديبية طلّقها ثم تزوجها معاوية بن أبى سفيان وكان مشركاً، ثم طلقها. ولم يرد أنها ولدت لعمر.
• أم كلثوم أو (مليكة) بنت جرول الخزاعية: تزوجها في الجاهلية ولدت له زيدا، وعبيد الله، ثم طلقها بعيد صلح الحديبية بعد نزول قوله تعالى:- (ولا تُمَسِّكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ)، فتزوجها أبو جهم بن حذيفة وهو من قومها وكان مثلها مشركاً.
• زينب بنت مظعون بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح: أخت عثمان بن مظعون ، تزوجها بالجاهلية في مكة ، ثم أسلما وهاجرا معا إلى المدينة ومعهما ابنهما عبد الله بن عمر. وولدت له حفصة أم المؤمنين وعبد الرحمن وعبد الله .
زوجاته بعد الإسلام :
• جميلة بنت ثابت بن أبي الأقلح الأنصارية: وهي أخت عاصم بن ثابت كان اسمها عاصية فسماها رسول الله جميلة، تزوجها في السنة السابعة من الهجرة ولدت له ولدا واحدا في عهد رسول الله هو عاصم ثم طلقها عمر. فتزوجت بعده زيد بن حارثة فولد له عبد الرحمن بن زيد فهو أخو عاصم بن عمر.
• عاتكة بنت زيد وهي ابنة زيد بن عمرو بن نفيل بن عدي. وأخت سعيد بن زيد أحد العشرة المبشرون بالجنة ، زوجة عبد الله بن أبى بكر من قبله ولدت له ولدا واحدا هو عياض بن عمر. تزوجت من الزبير بن العوام بعد وفاة عمر.
• أم حكيم بنت الحارث بن هشام بن مخزوم: كانت تحت عكرمة بن أبى جهل ، فقتل عنها في معركة اليرموك شهيدا، فخلف عليها خالد بن سعيد بن العاص، فقتل عنها يوم مرج الصفر شهيدا، فتزوجها عمر بن الخطاب، فولدت له فاطمة بنت عمر.
• أم كلثوم بنت على : وهي ابنة على بن أبى طالب. تزوجها وهي صغيرة السن، وذلك في السنة السابعة عشر للهجرة ، وبقيت عنده إلى أن قتل، وهي آخر أزواجه، ونقل الزهري وغيره أنها ولدت لعمر زيد ورقية .
إسلامه
أسلم عمر بن الخطاب رضى الله عنه في ذي الحجة من السنة السادسة من البعثة وذلك بعد إسلام حمزة بن عبد المطلب رضى الله عنه بثلاث أيام ، وقد كان عمره يوم بعث سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ثلاثين سنة، أو بضعاً وعشرين سنة، على اختلاف الروايات. وقد سبقه إلى الإسلام تسعة وثلاثون صحابياً فكان هو متمماً للأربعين ، ووفق المصادر السنية فإنه قد استجاب الله به دعوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، إذ قال: «اللهم أعز الإسلام بأحد العمرين عمر بن هشام أو بعمر بن الخطاب».
كان عمر بن الخطاب رضى الله عنه قوياً غليظاً شجاعاً ذو قوة فائقة و كان قبل إسلامة أشد عداوة لدين الله و كان من أشد الناس عداوة لرسول الله و لم يرق قلبة للإسلام أبداً , و فى يوم من الأيام قرر عمر بن الخطاب قتل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فسن سيفة و ذهب لقتل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم , و فى الطريق وجد رجلاً من صحابة رسول الله و كان خافياً لإسلامة
فقال له الصحابى إلى أين يا عمر ؟ قال عمر ذاهب لأقتل محمداً , فقال له الصحابى وهل تتركك بنى عبد المطلب ؟ قال عمر للصحابى الجليل أراك اتبعت محمداً ؟! قال الصحابى لا و لكن أعلم يا عمر (( قبل أن تذهب إلى محمد لتقتله فأبدأ بآل بيتك أولاً )) فقال عمر من ؟ قال له الصحابى : أختك فاطمة و زوجها إتبعتوا محمداً , فقال عمر أو قد فعلت ؟ فقال الصحابى : نعم .
فأنطلق عمر مسرعاً غاضباً إلى دار سعيد بن زيد زوج أخته فاطمة رضي الله عنها , فطرق الباب و كان خباب بن الأرت يعلم فاطمة و سعيد بن زيد القرأن , فعندما طرق عمر الباب فتح سعيد بن زيد الباب فأمسكة عمر و قال له : أراك صبأت ؟ فقال سعيد يا عمر : أرأيت إن كان الحق فى غير دينك ؟ فضربه عمر و أمسك أخته فقال لها : أراكى صبأتى ؟ فقالت يا عمر : أرأيت إن كان الحق فى غير دينك ؟ فضربها ضربة شقت وجهها , فسقطت من يدها صحيفة ( قرآن ) فقال لها ناولينى هذة الصحيفة فقالت له فاطمة رضى الله عنها : أنت مشرك نجس إذهب فتوضأ ثم إقرأها , فتوضأ عمر ثم قرأ الصحيفة وكان فيها
{ طه (1) مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى (2)إِلَّا تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَى (3) تَنزِيلًا مِّمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى (4) الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى (5) لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى (6)} سورة طـه .
فأهتز عمر و قال ما هذا بكلام بشر ثم قال أشهد أن لا إله إلا الله و أن محمداً رسول الله و قال دلونى على محمد , فقام له خباب بن الأرت و قال أنا ادلك عليه فذهب به خباب إلى دار الأرقم بن أبى الأرقم فطرق الباب عمر بن الخطاب فقال الصحابة : من ؟ قال : عمر , فخاف الصحابة واختبؤا فقام حمزة بن عبد المطلب و قال يا رسول الله دعه لى , فقال الرسول أتركه يا حمزة ,
فدخل عمر رضى الله عنه فأمسك به رسول الله صلى الله عليه وسلم و قال له : أما آن الأوان يا بن الخطاب ؟ فقال عمر إنى أشهد أن لا إله إلا الله و أنك رسول الله , فكبر الصحابة تكبيراً عظيماً سمعتة مكة كلها , فكان إسلام عمر نصر للمسلمين و عزة للإسلام و كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوا له دائما و يقول (( اللهم أعز الإسلام بأحد العُمرين)) و هما ( عمر بن الخطاب أو عمرو بن هشام ) ,
و من هنا بادر سيدنا عمر بن الخطاب بشجاعته و قام و قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله : ألسنا على الحق ؟ قال الرسول نعم , قال عمر أليسوا على الباطل ؟ قال رسول الله : نعم , فقال عمر بن الخطاب : ففيما الإختفاء ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فما ترى يا عمر ؟ قال عمر : نخرج فنطوف بالكعبة , فقال له رسول الله : نعم يا عمر , فخرج المسلمون لأول مرة يكبروا و يهللوا فى صفين , صف على رأسه عمر بن الخطاب رضى الله عنه و صف على رأسه حمزة بن عبد المطلب رضى الله عنه
و بينهما رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولون: الله أكبر و لله الحمد حتى طافوا بالكعبة فخافت قريش و دخلت بيوتها خوفاً من إسلام عمر و من الرسول و صحابته رضى الله عنهم , و من هنا بدأ نشر الإسلام علناً ثم هاجر جميع المسلمون خفياً إلا عمر بن الخطاب رضى الله عنه هاجر جهراً امام قريش و قال من يريد ان ييُتم ولدة وترمل زوجته وتفقده أمه فليأتى خلف هذا الوادى , فما تبعه أحد، خوفاًً منه رضي الله عنه وأرضاه
ووصل عمر المدينة المنورة ومعه ما يقارب العشرين شخصاً من أهله وقومه، منهم أخوه زيد بن الخطاب ، وعمرو وعبد الله أولاد سراقة بن المعتمر، وخنيس بن حذافة السهمي زوج ابنته حفصه ، وابن عمه سعيد بن زيد أحد المبشرين بالجنة. ونزلوا عند وصولهم في قباء عند رفاعة بن عبد المنذر. وكان قد سبقه مصعب بن عمير وابن أبي مكتوم وبلال وسعد وعمار بن ياسر .
قتاله مع المسلمين وفقا لابن الجوزي ثبت أن عمر رضى الله عنه شهد جميع المواقع والغزوات التي شهدها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ففي غزوة بدر كان عمر ثاني من تكلم ردا على الرسول محمد عندما استشارهم قبل الغزوة بدر بعد أبو بكر رضى الله عنه ، فأحسن الكلام ودعا إلى قتال المشركين . وقد قتل عمر رضى الله عنه خاله العاص بن هشام في تلك الغزوة. وفي غزوة أحد رد عمر رضى الله عنه على نداء أبي سفيان حين سأل عمن قتل. وفي غزوة الخندق صلى العصر فائتا مع الرسول صلى الله عليه وسلم بعد أن غابت الشمس.
لقد قال فيه عمر رضى الله عنه يوم أن بويع بالخلافة: رحم الله أبا بكر، لقد أتعب من بعده. ولقد كان عمر قريبًا من أبى بكر، يعاونه ويؤازره، ويمده بالرأي والمشورة، فهو الصاحب وهو المشير.
وعندما مرض أبو بكر راح يفكر فيمن يعهد إليه بأمر المسلمين، هناك العشرة المبشرون بالجنة، الذين مات الرسول صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راضٍ .
وهناك أهل بدر، وكلهم أخيار أبرار، فمن ذلك الذي يختاره للخلافة من بعده؟ إن الظروف التي تمر بها البلاد لا تسمح بالفرقة والشقاق؛ فهناك على الحدود تدور معارك رهيبة بين المسلمين والفرس، وبين المسلمين والروم. والجيوش في ميدان القتال تحتاج إلى مدد وعون متصل من عاصمة الخلافة، ولا يكون ذلك إلا في جو من الاستقرار، إن الجيوش في أمسِّ الحاجة إلى التأييد بالرأي، والإمداد بالسلاح، والعون بالمال والرجال، والموت يقترب، ولا وقت للانتظار، فكان عمر رضى الله عنه هو الاختيار الأنسب عند أبو بكر رضى الله عنه . وسارع الصديق باستشارة أولى الرأي من الصحابة في عمر رضى الله عنه ، فما وجد فيهم من يرفض مبايعته، وكتب عثمان كتاب العهد، فقرئ على المسلمين، فأقروا به وسمعوا له وأطاعوا.
تسميته بأمير المؤمنين
يرى أهل السنة أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه أول من سمي بـ "أمير المؤمنين"، فبعد وفاة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم خلفه أبو بكر رضى الله عنه والذي كان يلقب بـ "خليفة رسول الله".
فلما توفي أبو بكر الصديق رضى الله عنه أوصى للخلافة بعده لعمر بن الخطاب رضى الله عنه ، فقيل لعمر "خليفة خليفة رسول الله". فاعترض عمر على ذلك قائلاً: فمن جاء بعد عمر قيل له خليفة خليفة خليفة رسول الله فيطول هذا ولكن أجمعوا على اسم تدعون به الخليفة يدعى به من بعده الخلفاء. فقال بعض أصحاب رسول الله نحن المؤمنون وعمر أميرنا. فدُعي عمر أمير المؤمنين.
خلافته
أقصى امتداد للخلافة في عهد عمر رضى الله عنه 644. وقد اتسم عهد الفاروق "عمر" رضى الله عنه بالعديد من الإنجازات الإدارية والحضارية، لعل من أهمها أنه أول من اتخذ الهجرة مبدأ للتاريخ، وفقا لمشورة علي بن أبي طالب رضى الله عنه . كما أنه أول من دون الدواوين، وهو أول من اتخذ بيت المال، وأول من اهتم بإنشاء المدن الجديدة، وهو ما كان يطلق عليه "تمصير الأمصار"، وكانت أول توسعة لمسجد الرسول صلى الله عليه وسلم في عهده، فأدخل فيه دار "العباس بن عبد المطلب" رضى الله عنه ، وفرشه بالحجارة الصغيرة، كما أنه أول من قنن الجزية على أهل الذمة، فأعفى منها الشيوخ والنساء والأطفال، وجعلها ثمانية وأربعين درهمًا على الأغنياء، وأربعة وعشرين على متوسطي الحال، واثني عشر درهمًا على الفقراء.
فتحت في عهده بلاد الشام والعراق وفارس ومصر وبرقة وطرابلس الغرب وأذربيجان ونهاوند وجرجان. وبنيت في عهده البصرة والكوفة وقد سمى الكوفة بجمجمة العرب ورأس الإسلام ويقول حسن العلوي أن عمر رضى الله عنه هو مؤسس حضارة رافدية مثله مثل سرجون الأكدي وحمورابي ونبوخذنصر. وكان عمر أوّل من أخرج اليهود من الجزيرة العربية
من أولوياته
• تذكر عدد من المصادر انه أول من وضع تاريخا للمسلمين واتخذ التاريخ من هجره رسول الله صلى الله عليه وسلم. • هو أول من عسعس في الليل بنفسه ولم يفعلها حاكم قبل عمر رضى الله عنه ولا تعلم أحد عملها بانتظام بعد عمر رضى الله عنه . • أول من عقد مؤتمرات سنوية للقادة والولاة ومحاسبتهم وذلك في موسم الحج حتى يكونوا في أعلى حالتهم الإيمانية فيطمئن على عباداتهم وأخبارهم. • أول من اتخذ الدرة (عصا صغيره) وأدب بها.. حتى أن قال الصحابة والله لدرة عمر أعظم من أسيافكم وأشد هيبة في قلوب الناس. • أول من مصر الأمصار. • أول من مهد الطرق ومنها كلمه الشهرة (لو عثرت بغلة في العراق لسألني الله تعالى عنها لِمَ لَمْ تمهد لها الطريق يا عمر).
أولوياته في العبادة
• أول من جمع الناس على صلاة التراويح. • هو أول من جعل الخلافة شورى بين عدد محدد. • أول من وسع المسجد النبوى . • أول من أعطى جوائز لحفظة القرآن الكريم. • أول من آخر مقام إبراهيم . • جمع الناس على أربعة تكبيرات في صلاة الجنازة.
العلاقات العامة
• أجلى اليهود عن الجزيرة العربية. • أسقط الجزيه عن الفقراء والعجزة من أهل الكتاب. • أعطى فقراء أهل الكتاب من بيت مال المسلمين. • منع هدم كنائس النصارى . • تؤخذ الجزية على حسب المستوى المعيشي.
في مجال الحرب
سيف عمر بن الخطاب رضى الله عنه . • أقام المعسكرات الحربية الدائمة في دمشق وفلسطين والأردن. • أول من أمر بالتجنيد الإجباري للشباب والقادرين. • أول من حرس الحدود بالجند. • أول من حدد مدة غياب الجنود عن زوجاتهم (4 أشهر). • أول من أقام قوات احتياطية نظاميه (جمع لها ثلاثون ألف فرس). • أول من أمر قواده بموافاته بتقارير مفصله مكتوبة بأحوال الرعية من الجيش. • أول من دوّن ديوان للجند لتسجيل أسمائهم ورواتبهم. • أول من خصص أطباء والمترجمين والقضاة والمرشدين لمرافقه الجيش. • أول من أنشأ مخازن للأغذية للجيش.
فتوحاته
• فتح العراق . • فتح الشام . • فتح القدس وأستلم المسجد الأقصى . • فتح مصر . • فتح أذربيجان . • فتح بلاد فارس .
في مجال السياسة
• أول من دون الدواوين. • أول من اتخذ دار الدقيق (التموين). • أول من أوقف في الإسلام (الأوقاف). • أول من أحصى أموال عماله وقواده وولاته وطالبهم بكشف حساب أموالهم (من أين لك هذا). • أول من اتخذ بيتا لأموال المسلمين. • أول من ضرب الدراهم وقدر وزنها. • أول من أخذ زكاه الخيل. • أول من جعل نفقه اللقيط من بيت مال المسلمين. • أول من مسح الأراضي وحدد مساحاتها. • أول من اتخذ دار للضيافة. • أول من أقرض الفائض من بيت المال للتجارة. • أول من حمى الحدود.
وفاته
خرج عمر رضى الله عنه إلى صلاة الفجر يوم الأربعاء 26 ذي الحجة سنة 23 هـ يؤمّ الناس، فتربص به غلام مجوسي اسمه عبد المغيرة ويكنى أبا لؤلؤة، وهو في الصلاة وانتظر حتى سجد، ثم طعنه ثلاث طعنات بخنجر مسموم كان معه، ثم جعل يطعن كل من دنا إليه من الرجال حتى طعن ثلاثة عشر رجلا، مات منهم سبعة ، فألقى عليه أحدهم ثوباً، ولما رأى أن قد تقيّد وتعثر فيه قتل أبو لؤلؤة نفسه بخنجره .
ثم تناول عمر رضى الله عنه يد عبد الرحمن بن عوف فقدمه حتى يكمل الصلاة بالناس ، وبعد الصلاة حمل المسلمون عمراً إلى داره. وعندما سأل عمر رضى الله عنه عمن طعنه قيل له أنه أبو لؤلؤة فقال: "الحمد لله الذي لم يجعل منيّتي بيد رجل يدعي الإسلام"، ثم قال لابنه: "اذهب إلى أم المؤمنين عائشة، فقل: يستأذن عمر أن يدفن مع صاحبيه" فذهب إليها، فقالت: "كنت أريده -المكان- لنفسي، ولأوثرنّه اليوم على نفسي"، فلما رجع وأخبر بذلك عمر، حمد الله . فدفن بجانب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، وأبو بكر الصديق رضى الله عنه كما أراد. وقد استمرت خلافته عشر سنين وستة أشهر، وقبل أن يموت اختار ستة من الصحابة؛ ليكون أحدهم خليفة على أن لا يمر ثلاثة أيام إلا وقد اختاروا من بينهم خليفة للمسلمين.
فى الحلقة القادمة بإذن الله سنتحدث عن الجوانب التى ميزت سيدنا عمر بن الخطاب رضى الله عنه فانتظرونا
دمتم فى حفظ الله يتبع | |
|
| |
| مع الصحابة | |
|